مقالات

دعني أحاورك، وتعلم كيف تختلف معي

تربينا على كثير من القيم التي غرسها فينا مربونا الأكارم على اختلاف تنوعاتهم، وحق الاختلاف حق أصيل لكل عقل يفكر ويدقق ويحلل ويفسر المواقف والأحداث والظروف والمتغيرات، ليكون في النهاية رأيا ذاتيا يولد من رحم الذات المفكرة والتي من أبجديات اتزانها فهم ثقافة الاختلاف.

أما ما نشاهده هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة Facebook، من اتجاهات أحادية الجانب في فرض الرأي وعدم تقبل الرأي الآخر غدا أمرا مستفزا يستدعي وقفة للمناقشة والتحليل والتفنيد وإبداء الرأي.

اتجاهات عرض وجهات النظر

الحوار الآمن

وفق أبجديات عرض الأمور العامة أو الخاصة للنقاش هناك اتجاهان لمن يقومون بعرض وجهات نظرهم:

الأول: اتجاه عام يؤمن بعمومية الطرح:

وهو معني بفتح نافذة للحوار المتبادل القائم على الود والاحترام المتبادل للصالح العام بعيدا عن الأهواء الذاتية والمصالح الخاصة، وهذا الحوار يصنع جوا من الألفة والتواصل المحمود بين أعضائه المشتركين فيه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والثاني: اتجاه ذاتي نفعي:

يحمل توجها ذاتيا بحتا، يعرض عليك صاحبه موضوعا عاما في ظاهره أو خاصا بداعي المصلحة العامة، أما باطنه يعرض عرضا خاصا ذاتيا محاطا بسياج من المصالح الذاتية والأغراض الشخصية والعداوات المهنية والرواسب السلبية لمواقف وأمور وأحداث مر بها صاحب الطرح، الذي يرى في طرحه هذا نوعا من أنواع التشفي والتنفيس عن مكنون نفسه وأحقاده الدفينة وأمراضه النفسية المزمنة.

قواعد الحوار البناء:

الحوار الآمنوكلا النوعين حر في طرحه، حر في مسلكه، ولكن تبقى هناك عموميات يجب أن يعلمها الجميع ممن يعرضون أمورا عامة أو خاصة للنقاش الحر وفق مبدأ دعني أحاورك وتعلم كيف تختلف معي، ومن أهم هذه العموميات:

قواعد خاصة بالرآي الآخر

– تقبل الرأي الآخر بصدر رحب، فكما لك رأي للآخر رأي.

– لا تقلل من الرأي الآخر ولا تتخذ موقفا عدائيا ذاتيا من صاحبه، فهو يرد على طرحك لا ينتقد ذاتك ولا يهمه من أنت كشخص، فلا تشخصن الرأي المختلف معك!

قواعد للسيطرة على الذات

– لا تعتقد مهما كانت مكانتك ومنزلتك أو درجتك العلمية أن كلماتك ستلقى التهليل والتطبيل والتسليم بعبقريتها وصحتها لمجرد اسم صاحبها، وفقا لمقولة “عظمة على عظمة يا ست”، فأصحاب الذوات المريضة عشاق الأنا لا عظمة لهم سوى في كهوف عقولهم السحيقة المكسوة بغبار الماضي!

– كما أنك تفكر وتحلل وتعرض رأيك، ثق أن هناك من يقابل فكرك بفكر ورأيك برأي وتحليلك بتحليل، فاحترم ذلك وقدره وثق أن الاحترام المتبادل مفتاح كسب ود القلوب.

قواعد أخلاقية

– اشكر كل من بادر بالتفاعل معك، وأحسن انتقاء عبارات الرد عليه، ولا تعاقبه بألفاظ تنم عن سوء أدب أو فساد نية أو تربص أعمى به لمجرد اختلاف الرؤى، لأنه حتما لن يصبر على حماقاتك وتهورك، فلكل فعل رد فعل،

فاحذر صبر الحليم عليك وتربص الصامت بك، فبركان غضبه لن يطول انتظاره، ولا تظن أن صمته ضعف أو تجاهله تهاون أو بعده فرار، بل هو صبره عليك وخوفه من سطوة بطشه بك!

– لا تكن متمسكا برأيك فارضا إياه بالقهر على من يحاورك، وإذا تبين لك خطأ طرحك فاعترف بذلك، وحتما ذلك مؤشر من مؤشرات قوتك واحترامك لنفسك وللآخرين وليس أبدا مؤشر ضعف أو تراجع.

– لا تضع السم في العسل متلاعبا بألفاظك في الحوارات العامة، لأنها ليست ملكا لك، ولا تكن من سكان الكهوف الزجاجية وتقذف غيرك بحجارة كلماتك كل يوم، فكلنا في الهوا سوا!

تفهم ثقافة الاختلاف

– لا تفترض في غيرك الغباء دائما، وأعني بالغباء أن يفهم خداعك له كما تحب أن يفهم قصدك، فللأسف ذكاء المخاطبين أقوى من سوء نية المتلون في الحوار، فاحذر!

– وأخيرا تواصل مع الجميع وفق مبادئ الاحترام المتبادل وتفهم ثقافة الاختلاف وفق مبدأ دعني أحاورك، وتعلم كيف تختلف معي.

تلك إشارات سريعة من أجل بناء حوار آمن في بيئة صالحة تستهدف التعايش الآمن وفق فلسفة خليك في حالك وسيبني في حالي، لا تشغل بالك ولا أشغل بالي.

اقرأ أيضاً:

أخلاقيات الحوار

ثقافة الحوار والحوار الثقافي

اختيار الكلام أهم من نحت السهام

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب