قضايا شبابية - مقالاتمقالات

كن طبيبا.. ولا تتردد

سيقولون لك إياك والطب، إياك وكليات القمة، أما أنا فأقول لك: إياك أن ترضى لنفسك بغير القمم بديلا، وإياك أن تعتد النظر إلى ما دون العوالي، وهل يبلغ الشيء القمة إلا لشرفه؟ أم هل يغلو ثمن السلعة إلا لندرتها؟ ثم انظر قبل ذلك إلى نفسك فاسألها ماذا تريد..

أ) فإنك إن كنت تريد أشرف العلوم وأكثرها وجاهة، فعليك بالطب:

  • واسمع إلى الإمام الشافعي حين يقول: “إنما العلم علمان : علم الدين وعلم الدنيا، فالعلم الذي للدين هو الفقه والعلم الذي للدنيا هو الطب”.
  • وقال كذلك: “لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب”.
  • وقال كذلك: “لا تسكن بلدة لا يكون فيها عالم ينبئك عن دينك، ولا طبيب ينبئك عن أمر بدنك”.
  • واسمع إلى داوود الإنطاكي حين يقول: “الطب أشرف العلوم، موضوعه البدن الذي هو أشرف الموجودات، إذ العلوم لا تشرف إلا بمسيس الحاجة أو شرف الموضوع، فما ظنك باجتماعهما؟!”.
  • ويقول علي بن رضوان المصري: “إن في الطّب اصطناع الجميل، وما كان كذلك فشرفه ظاهر، ولفظة شرف دالة على ارتفاع الفضيلة وعلوها، ولا شيء من الصنائع الفاعلة لها موضوع أشرف من موضوع صناعة الطب الذي هو أبدان الناس، فلذلك يكون شرف الطب أعلى وأرفع من شرف كل صناعة فاعلة”.
  • يقول صاعد بن الحسن في كتابه (التشويق الطّبي ): “قد أجمعت الأمم واتفقت الشهادات بالقياسات الصحيحة والتجارب المستمرة، بفضل صناعة الطب وجلالتها وحاجة الناس إليها، وشهدت بذلك الشرائع على اختلافها، والملل على ثباتها، واستعملها الأنبياء والأوصياء، واقتدى بهم الأتقياء والعلماء، قال تعالى: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ).
  • وإن من شرف الطب أن جعله الله معجزة لرسوله عيسى بن مريم، فيبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.

ب) وإنك إن كنت تبحث عن نفع الناس وإفادتهم، فعليك بالطب:

فلن تجد أفضل من الطبابة علما تفيد به نفسك وتنفع به غيرك، وإنه ليفتح لك الباب واسعا لتقيم به حواس العباد وأبدانهم، فتعينهم بذلك على السعي والعلم والعبادة، فتكون لك بذلك صدقة جارية، وإنك بذلك لأحب الناس إلى الله عز وجل،

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أَنْفَعُهُمْ لِلّنَاسِ، وَأَحَبُّ الأعْمَالِ إِلَى الله سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَة”.

ج) وأنت إن كنت تبحث في العلوم أيها أكثر أجرا وأجزل ثوابا، فعليك بالطب:

  • فتذكر أن لك في كل كلمة طيبة للمريض صدقة.
  • وفي كل تبسم في وجه المريض صدقة.
  • وفي كل أمر بمعروف لمريض صدقة.
  • وفي كل نهي عن منكر لمريض صدقة.
  • وإنك حين تساعد في إحياء نفس فكأنما أحييت البشرية كلها، يقول تعالى: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”.
  • وأنت كلما خففت عن مريض ألما، أو فرجت عنه كربة، فرج الله كربك، يقول صلى الله عليه وسلم: “من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”.
  • وأنت حين تسهر على راحة المرضى تاركا بيتك وأهلك، فأنت في رباط وأنت مجاهد على ثغر، يقول صلى الله عليه وسلم: “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها”.
  • وإنك حين تناظر مريضا أو تعوده فأنت في خرف الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ. قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: جَناها”، يعني ثمارها.

وقال صلى الله عليه وسلم كذلك: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً -أي صباحًا- إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً، إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ”.

  • وأنت في كل هذا من الساعين في سبيل قضاء حوائج الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”.

ويقول صلى الله عليه وسلم: “وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ المُسْلِمِ فِى حَاجَةٍ حَتَّى تَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزِلُّ الأقْدَامُ”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

د) وأنت إن كنت تبحث عن فضائل التعليم والتعلم وثوابهما، فعليك بالطب

واعلم أن لك في كل معلومة تقرؤها أو تبحث عنها ثواب التعلم وفضله، ولك في كل محاضرة تلقيها أو درس تشرحه أو نصيحة تقدمها لمريض ثواب التعليم وفضله.

  • وإنك بعلمك هذا من ورثة الأنبياء، تستغفر لك الملائكة ويسهل الله لك طريقا إلى الجنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن سلَك طريقًا يَطلب فيه علمًا، سلَك الله به طريقًا من طرق الجنَّة، وإنَّ الملائكة لَتضعُ أجنحتَها لطالب العلم رضًا بما يَصنع، وإنَّ العالِم ليَستغفر له مَن في السموات ومَن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنَّ فضل العالِم على العابِد كفضل القمر ليلة البَدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثَة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذه، أخذ بحظٍّ وافِر”.
  • وإن هذا العلم عمل صالح لا ينقطع أجره، يقول صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الإنسان، انقطع عملُه إلَّا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولد صالِح يَدعو له”.

ه‍) الطب علم فيه من الفن والإبداع ما في العلوم الأخرى

واعلم كذلك أن الطب علم فيه من الفن والإبداع ما في العلوم الأخرى، وإن لك فيه نصيب من طاعة الملوك والسلاطين، فالرعيّة في طاعة ملكها، والملك يطيع طبيبه في ما لا يطيع فيه أبويه، ويكشف من سرّه ما لا يكشف إليهم لما يرجو عنده من النفع والمصلحة.

وإياك أن تحيد عن جادة الصواب، بسخط ساخط يرى أنه الأسوأ حالا في مجاله أو غنى فاسد يجمع ماله من حرام، أو تسلط منافق لا يميز الحق من الباطل، أو جعجعة جاهل لا يحفظ للعلم مقام.

واعلم أن انقلاب الموازين وفساد الأذواق لا يغير من حقائق الأمور شيئا، فالذهب يبقى ذهبا وإن ذموه، والماس يبقى ماسا وإن سبوه.

واعلم أنك مثاب في كل الأمور على نيتك وإن لم تبلغ ما تطمح، وأن الأمور تجري بالمقادير فلا تعجز ولا تجزع.

اقرأ أيضاً:

التغلب على صعوبات كلية الطب

بين النظري والعملي

كيف يفكر الأطباء

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عمرو أبو الحسن المنشد

مدرس أمراض الصدر كلية الطب – جامعة أسوان