النَّزيل
نأتي إلى الدنيا لبعض الوقت ثم نجلس فيها بالأمل تارة وبالقلق والترقّب وعدم الاستقرار تارة أخرى، نبدأ بمرحلة الطفولة ثم الشباب ثم الكهولة، وفي النهاية نذهب ونتركها بكل ما حققناه وما لم نُحققه، في أعمار مختلفة ومناصب وأعمال متنوعة، وما ذاك إلا لأنّ كل نفس ستذوق الموت، ولكل أجل كِتاب، قُضي وانتهى.
ونكون غُرباء كنُزلاء في فندق نمكث فيه بعض الوقت ربما لأيام أو أسابيع أو شهور أو سنوات ثم نمضي ونتركه لحال سبيلنا، وننتقل إلى محطة أخرى مختلفة عن تلك التي قضيناها في ذلك الفندق.
نحن لا نذهب إلى المستشفى إلا عند إصابتنا بالتعب، فيكشف علينا الطبيب ويحجزنا لتلقي العلاج فنكون نُزلاء، نأخذ العلاج المحدّد، ونتناول الطعام المخصوص، ونسير على نظام صارم حاسِم.
ينزل الضيف عندنا في البيت ربما ليوم أو ثلاثة أيام أو أكثر، فنُكْرِم وِفَادَته ونعمل على راحته، ليشعر كأنه في بيته تمامًا ثم يزمع الرحيل فيذهب ويتركنا.
ولضيق الحال أحيانًا أو الهروب من المسؤولية أو الأمل في المستقبل، نبحث بكل ما أوتينا من قوة عن تأشيرة للسفر ونُنفِق الغالي والنفيس، وقد نُعادي ونُحارب بعض الأشخاص وخاصة المُقربين من أجل السفر والغُربة والعَناء، فنمكث ما شاء الله لنا أن نمكث ونكون نُزلاء في بلد غريب عن الأهل والأصدقاء والأعوان،
وتصيبنا الأمراض والأوجاع والأسقام والهرم والموت البطيء، ثم نعود أدراجنا _طالت المُدة أم قصرت_ إلى بلدنا ومسقط رأسنا بعد تغيّر وانتهاء أشياء كثيرة يصعب تعديلها فضلًا عن رجوعها لأصلها.
وعندما يرتكب المرء ذنبًا وخطيئة في حق مواطن أو المجتمع فإنه يجازَى فيحكم عليه القاضي بالسجن، فيكون نزيلًا له ينضوي تحت نظامه ويمتثل لأحكامه ويسير على قوانينه ورسمه.
المعادلة الصعبة
إننا نُزلاء في هذه الحياة، وهذا معناه أنّ حياتنا قصيرة لها فترة محدّدة بداية ونهاية ولكن النهاية غير معلومة، ولهذا وجب علينا أن نُحسن إقامتنا فلا نرتكب جُرمًا وحُمقًا في حق أنفسنا ولا نؤذي أحدًا أو نظلمه، لأننا نعيش في مرحلة مؤقتة ونذهب للقاء الله الكبير المُتعال، للحياة الأبدية نتضرّع إلى الله بنوال رضاه وكرمه وعطاءه.
فالعاقل يتعامل أنه غريب، نعم، كأننا مثل الراكب الذي نزل من فوق راحلته ليستريح تحت ظل شجرة من شدة قيظ الحَرّ ثم يتركها ويذهب، ومع هذا في فترة وجودنا لا بد أن نستغلها في الطاعة والصلاح والإصلاح، والعِلم النافع للدين والدنيا وعمارة الأرض.
فليس معنى المدة القصيرة التي نقضيها أن نيأس أو يصيبنا الإحباط، ولكن نعمل ونسعد ونفرح ونتفاءل، فليست هذه المدة التي ننزل فيها الحياة نهاية العالم وإنما ينبغي الانتباه حتى لا يمر الوقت ويُسحب البساط من تحت أرجلنا، وهذا تمامًا ما قاله الحكيم كونفوشيوس وهو ينصح بأهمية التعليم:
“تعلّم كأنك لا تستطيع أن تُدرك العِلم، وكأنك تخشى أن يفوتك”، إنها معادلة صعبة إذا وصل الإنسان إليها وتغلّب على نفسه فإنه حتمًا سيصل إلى مراده ومبتغاه.
فالموت نهاية كل حي فينبغي أن ننتبه، فإذا أَمْسَيْنا فلا ننتظِرِ الصَّباحَ، وإِذَا أَصْبَحْنا فَلا ننتظرِ المَساءَ، ونأخذ مِنْ صِحَّتنا لمَرَضنا، ومِنْ حياتنا لِمَوتنا فوجب الإحسان ونشر الخير والمحبة.
وعلى الإنسان أن لا ينظر لما في أيدي غيره ويقنع بما عنده، القليل والكثير، العظيم والحقير، وهذا يعني عدم وضع الدنيا في القلب وإنما وراء الظهر، ووسيلة للعمل والتقدم والتعمير، ولا ننس نصيبنا من الدنيا، فالزهد في الدنيا يقربنا من الله والزهد فيما عند الناس وما في أيديهم يستدعي محبة الناس.
اقرأ أيضاً:
ظاهرة التأثير والتأثر في الفكر الإنساني
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا