قيمة الإنسان الحقيقية
إذا لم يكن للإنسان قيمة في التخفيف عن معاناة الآخرين، أو كف الأذى عنهم، فما أولاه إلا أن ينزوي في ركن من أركان نفسه الخاوية أو روحه العفنة الخاوية، لينتظر مصيرا محتوما وأجلا مكتوبا في سجل الآبقين وتاريخ الزائفين الذين شاهت وجوههم، وتبلدت مشاعرهم، وتحجرت قلوبهم، فذهبوا غير مأسوف عليهم، ولا مترحم بهم.
فسحقا ثم سحقا لأولئكم الذين قد تشرنقوا على أنفسهم، وتقوقعوا حول ذواتهم، فلم يروا غيرهم، ولم يشعروا بسواهم، ولم يحسوا بالكون من حولهم، سحقا لهؤلاء الذين يعتقدون أن العالم لم يخلق إلا من أجلهم، وأن الشمس لم تشرق إلا لمشاهدة جمالهم، غير آبهين بالضعفاء، أو مهتمين بالثكلى والدهماء.
ما أجمل أن يحيا الإنسان، وهو يدرك أن سعادته مرهونة بسعادة الآخرين، وأن شقاءه مرتبط بشقاء المحيطين، ومن ثم فلا تكتمل سعادته وهو يرى أخاه في أتون المصائب يتعذب، وفي مراجل المشاكل يتقلب، وفي المحن يهوي، وفي الملمات يغوي!
كيف يهنأ له عيش، أو يرقأ له جفن، أو يحلو له لحن، أو تهدأ له نفسه، أو يبرق له ثغر، أو يبسم له وجه، أو يعذب له ماء، أو يتقلب في النعماء؟ كيف له كل ذلك وقد أصيب أخوه ببائقة، أو أطبقت على جاره ضائقة، أو ناوشه الزمن بطامة، أو اخترمه الدهر بلامة، أو خايلته الأيام بهامة؟
كيف يتسنى له أن ينام قرير العين، وصاحبه معذب الجبين، مزعزع اليقين، قد حار فؤاده، ونفد مداده، وزاد همه، وفاض غمه، وهاجت بلابله، وتبعثرت مشاكله، وتبددت أحلامه، وسقطت آماله؟!
قل بالله عليك، كيف يفرح، وغيره يترح؟ كيف يتنسم وغيره يتألم؟ كيف يمرح، وغيره يتقرح؟ كيف يطعم، وغيره معدم؟ كيف يتسنم، وغيره يتألم؟ كيف يتهندم، وغيره يتهدم؟ كيف يرقص، وغيره ينغص؟ كيف يلهو، وغيره يكبو؟ كيف يتبختر، وغيره يتعثر؟!
ما أجمل أن يعيش الإنسان حياة إيجابية
ما أجمل أن يعيش الإنسان حياة إيجابية، يؤثر فيما حوله، يترك فيهم بصمة، ويدع فيهم وشما عصيا على الإخفاء، صامدا رغم عوادي الزمن، وتقلبات الحدثان، ومن ثم تراه دائما وأبدا مصدر سعادة فيمن حوله،
فتهفو إليه الأفئدة، وتميل نحوه القلوب، فتجد عنده الأمان، وبين أحضانه الحنان، يربت على النفوس المتعبة، ويعطف على الأرواح المنهكة، التي أضنتها السنون، وتملكت منها الشؤون، وكساها الحزن الخؤون، وسربلها الألم.
لا تجد هذا الإنسان إلا (محمدا) مهديا، أو (مسيحا) مخلصا نديا، يربت على النفوس المدنفة، ويخفف على الأرواح المتهالكة، في صحراء الحياة القاحلة، التي أضنتها السنون، وأرهقتها المتاعب والسنون، وكساها الحزن الخؤون، وسربلها اليأس الهتون، فتراه دائما وأبدا مصدر سعادة للبائسين، وطاقة نور للمحيطين، وشعلة أمل لأولئك اليائسين.
ومن ثم تهفو إليه الأفئدة، وتميل نحوه القلوب، وتنجذب إليه الشخوص، يجدون عنده الأمان، وبين أحضانه الحنان، وفي ابتسامته تخضر الصحاري البيداء، وتنار الكهوف الظلماء، وتعشوشب الحقول الجدباء، عنده، وعنده فقط ترى نور الله، وأول الخيط الذي يوصلك إلى الطريق، مهما كان موحشا، ومهما كثرت مزالقه، وتنوعت مضايقه،
عنده.. وعنده فقط ترى أول نبعة من النهر الجاري، وأول قطرة من الفيض الساري، ومهما كانت ملوحة البحر، وكدرة الماء، فعنده الكوثر، وبين يديه السلسل والزلال، والعذب والظلال.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا