أميرة فتاة فلسطينية ابنة أحد المقاومين والمسجون في سجون الاحتلال، نجح في تهريب حيواناته المنوية بمعرفة أربعة شهود من داخل السجن يشهدون أنها تخص هذا الشخص وتم تلقيح زوجته بها أمام شهود من أهل الزوج والزوجة ثم تم الإعلان في مسجد القرية ليعلم الجميع أن هذا الحمل وهذا الطفل القادم هو ابن لهذا المقاوم الموجود في سجون الاحتلال،
وهي إحدى طرق المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني الذي سجن وقتل شباب ورجال المقاومة، وكان الرهان على جيل جديد يخرج من رحم الأزمة لاستمرار المقاومة والنِضال.
ما يروج له فيلم أميرة
وبالفعل نجحت هذه الطريقة في خلق جيل جديد من شباب فلسطين، حيث بدأت هذه الفكرة في الظهور للنور في بداية الألفية، وتعرض الفيلم لها من خلال أميرة الفتاة ذات الـ 18 عاما والتي تفخر بكونها ابنة مقاوم وبطل فلسطيني، وبعد سنوات طويلة يحاول الأب تكرار هذه الطريقة للإنجاب مرة أخرى لكنه يكتشف أنه عقيم ولا يستطيع الإنجاب،
هذا الخبر الذي زلزل كيان الأسرة الفلسطينية، والابنة أميرة التي بدأت في البحث عن أبيها الحقيقي، كما حاولت الأم الدفاع عن نسب ابنتها، تكتشف الابنة أن الحيوانات المنوية كانت لجندي صهيوني يعمل حارسا للسجن الذي يعيش فيه الأب، واستطاع خداع الكل وتبديل حيواناته المنوية بدلا من حيوانات المقاوم الفلسطيني،
يحاول أهل الابنة ورجال المقاومة تهريب الابنة خارج القرية للتخلص من عارها، كما أنها لم تعد فلسطينية مثلهم، وسعت الابنة لمعرفة أبيها الحقيقي والتسلل إلى دولة الاحتلال لقتله والانتقام منه لأنها اختارت أن تكون فلسطينية وابنة لهذا البطل الذي تعشقه، تقرر الأم الاعتراف بالكذب بأنها حملت من رجل فلسطيني آخر كانت على علاقة به، خيانتها لزوجها مع رجل آخر أهون من أن تكون على علاقة بجندي من جنود الاحتلال وأن ابنتها نصف صهيونية،
وفي نهاية الفيلم تظهر عبارة مكتوبة على الشاشة “إنه تم تهريب أكثر من مائة ألف عينة خارج السجون وتم تلقيح الأمهات بها وظهر جيل جديد كله من أصلاب آبائهم ولم يثبت أبدا انتساب أي منهم لأب صهيوني ولا وجود لخطأ في النطف المُهربة”!!
هذه العبارة التي وُضعت في نهاية الفيلم جاءت لتنسف فكرة الفيلم من الأساس، ما دام لم يتم اكتشاف طريقة تهريب النطف كيف تم تبديلها بواسطة الجندي الصهيوني، وما دام كل الأبناء ثبت نسبهم لآبائهم المقاومين لِم وُجدت هذه الفرضية الخبيثة أصلا؟ وما دام الجندي الصهيوني استطاع اكتشاف طريقة تهريب الحيوانات المنوية للسجناء لماذا لم يمنعها ويحرم جيلا جديدا من الوجود بدلا من تبديل واحدة فقط.
هذه العبارة وضعها الكاتب ذرًا للرماد في العيون، ولأنه يعلم كم الهجوم الذي سوف يتعرض له عند عرض الفيلم للجمهور والنقاد، كتبها لتهدئة الجمهور وتمرير الفكرة الشاذة والخبيثة التي يقوم عليها الفيلم، فكرة أن أميرة أو “أرض فسطين” هي ابنة مشتركة بين اللص والضحية، بين صاحب الحق والمُغتصب، بين الأم “فلسطين” والأب “جيش الاحتلال”،
فكرة خبيثة تطعن في نسب جيل كامل
ولا بد من التعايش مع هذه الفكرة وقبولها، وهي الأرض من الجميع وللجميع ولا مبرر للمقاومة وقِتال جنود الاحتلال لأنهم في الأساس آباء لشباب المقاومة، فكرة فاسدة وخبيثة تطعن في نسب جيل كامل من شباب فلسطين، والذين تسلموا راية المقاومة واستعادة الحق المُغتصب وبالطبع تمرير هذه الفكرة لهم قد تجعلهم يتراجعون عن المقاومة وقبول هذا النسب الفاسد،
فكرة تطعن في رجولة رجال المقاومة وشرف نسائها بل وفي نسب الأرض نفسها لأصحابها الحقيقيين، عن طريق ادعاء فاسد وملتوٍ، وهو ماذا لو كان في إمكان الإنسان أن يختار معتقده ودينه وانتماءه؟ هل يختار نفس الاختيار أم هناك اختيار آخر؟! اختيار أن تكون صاحب حق أم مغتصب؟ نسبك يكون لصاحب الأرض أم المغتصب؟ وكأن الطرفين على نفس الدرجة والمكانة في الحق والشرف والعدل.
الفيلم عُرض في مهرجان الجونة الذي يروج دائما للتطبيع، وأزمة فيلم ريش “المصنوعة” غطت على هذا الفيلم الخبيث، ولم يشعر به أحد أو يهتم بالكتابة عنه وفضح محتواه ونقد كم الأخطاء الدرامية وسقطات السيناريو الكثيرة، والتي وقعت ربما بسبب الاهتمام بتمرير هذه الفكرة على حساب المنطق والضرورة الدرامية.
الفيلم من تأليف محمد دياب وخالد دياب وشيرين دياب، ومن إخراج محمد دياب وإنتاج محمد حفظي وهاني أبو أسعد ومعز مسعود وأميرة دياب ورولا ناصر وإريك لاجيس ودانيال زيسكند.
أثار فيلم أميرة غضب كثير من الفلسطينيين وأهالي الأسرى والمساجين من أهل فلسطين، كما أدانت لجنة شؤون الأسرى والمفقودين الأردنيين ما جاء في الفيلم، واعتبرته تشويها لكفاح ونِضال الشعب الفلسطيني، مما اضطر الهيئة الملكية بالأردن إلى سحب ترشيح الفيلم إلى الأوسكار ممثلا للملكة الأردنية، كما تم منع عرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر في جدة، وغالبا لن يُعرض في كثير من الدول العربية.
قد يرى البعض أن المنع هو الأسلوب الأمثل لهذه الأفلام لمنع وصول هذه الأفكار الفاسدة إلى الجمهور، ربما يقتنع أو يتعاطف معها أحد، ويرى آخرون وأنا منهم أن المنع ليس حلا، خاصة في ظل التطور التكنولوجي والذي جعل من الصعب بل من المستحيل منع عمل فني من الوصول للجمهور،
الأفكار تواجه بالأفكار ونقد العمل الفني وفضح محتواه الخبيث أمام الجمهور أفضل من المنع، وبعدها يقرر الجمهور المشاهدة أم الرفض، أما الآن سوف يبحث عنه كثيرون بدافع الفضول ومعرفة ما به دون أن يعرفوا الهدف والنية وما يحتويه من فخاخ وأفكار ملتوية.
وتبقى قضية فلسطين قضية كل شريف وحر يحب الحق والعدل والخير ويبغض السرقة والقتل والاغتصاب والإرهاب، قضية إنسانية في المقام الأول.
اقرأ أيضاً:
كل شيء صار من الممكن تلميعه وتنجيمه
لماذا خذلت السينما المصرية قضية فلسطين؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا