أكثر ما كان يميز المجتمع المصري في بدايات القرن الماضي هو التعددية والخليط الواضح بين الجنسيات والديانات المختلفة، حيث لم يكن هناك أي فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي، الكل مصري دون أي تمييز أو فارق،
كما كان للجنسيات الأجنبية حضور قوي داخل المجتمع المصري، حيث شغلوا العديد من المناصب والمهن وكان لهم إسهامات كبيرة لا ينكرها أحد، ومنها صناعة السينما التي شارك في نشأتها يهود مصريون ويهود ومسيحيون من جنسيات أخرى، مثل وداد عُرفي، توجو مزراحي، الأخوين لاما وغيرهم كثيرين.
وكان طبيعيا أن تظهر هذه التعددية على شاشة السينما وفي الأعمال الفنية، حيث ظهرت شخصية اليهودي بشكل طبيعي داخل العمل الفني كواحد من الجيران وسكان الحارة أو أحد موظفي الشركة، وكان وجوده بعيدا عن ديانته تماما،
لكن تبدل الحال تدريجيا مع ظهور الحركة الصهيونية العالمية وإعلان قيام دولة الاحتلال واغتصاب أرض فلسطين، تمزق النسيج الوطني وتحول اليهودي من جار في الحارة إلى عدو، إما ضابط مخابرات يهدف إلى تجنيد الشباب العربي، أو جاسوس أو جندي في جيش الاحتلال يقتل ويغتصب ويحتل.
أعمال رصدت التحول
في البداية قدم شالوم سلسلة من الأفلام الكوميدية تحمل نفس الاسم (الكوكايين عام 30، شالوم الترجمان عام 35، شالوم الرياضي عام 37) تأليف وإخراج توجو مزراحي.
وبعد أن كانت كلمة شالوم كلمة عادية ودارجة في المجتمع المصري، تحولت إلى كلمة بغيضة تثير الكراهية والغُصة، كما أصبح ظهور اليهودي غير مرغوب فيه، وظهر في الأعمال الكوميدية بشكل أقرب للنمطية والسذاجة من حيث الشكل والأداء والتناول أيضا،
كما في أفلام “فاطمة وماريكا وراشيل” لـ محمد فوزي عام 49، حيث ظهرت راشيل وأهلها ينصبون الخطط والمكائد للبطل من أجل ابتزازه وسرقة أمواله، وهو الظهور الأول بشكل سلبي لليهودي، وتكرر ظهورها بنفس الشكل والنمط في فيلم مثل حسن ومرقص وكوهين عام 57،
وبعد أن تحول الأمر لعداء صريح ومشاحنات سياسية كان منطقيا أن تختفي تماما حتى من الأفلام الكوميدية وتبدأ في الظهور بشكل آخر، حيث حمل فيلم أرض الأبطال لـ عمر الشريف الظهور الأول للجندي الإسرائيلي، من خلال حرب فلسطين والمقاومة الفلسطينية للمحتل،
هذا التحول رصده أيضا يوسف شاهين في فيلم “إسكندرية ليه” عام 78 من خلال قصة حب بين سارة اليهودية وإبراهيم مصري مسلم، وقرار أبيها بالسفر إلى إسرائيل بعد حرب 48 وأن اللقاء القادم بينهم لن يكون لقاء أحبة ولكن لقاء الأعداء.
نجاح السينما في توثيق علاقة اليهودي بالشعب المصري
وفي حقبة الستينات ظهرت شخصية اليهودي كإرهابي وعدو جاء إلى مصر من أجل تنفيذ عمليات إرهابية، وذلك من خلال أفلام الجاسوس 64 لـ فريد شوقي، وجريمة في الحي الهادي لـ رشدي أباظة عام 67.
بعد ذلك دخلنا في أفلام الحرب وتوثيق العداء والمؤامرات، وذلك من خلال أفلام المخابرات (الصعود للهاوية، إعدام ميت، مهمة في تل أبيب، 48 ساعة في تل أبيب، فخ الجواسيس، ولاد العم) وغيرها من الأعمال.
وفي فيلم الإمبراطور ظهر مورد الهيروين الأجنبي توماس في أحد المشاهد وهو يجلس على كرسي متحرك وفي خلفيته صورته وهو يرتدي الزي العسكري في إشارة لجنسيته وهي الإسرائيلية، وأنه جندي سابق في جيش الاحتلال، والإصابة دليل على اشتراكه في الحروب ضد العرب وخروجه لاستكمال دوره في محاربة العرب لكن بشكل آخر، حيث تحولت الحرب بيننا لساحة ومجال آخر وأن المؤامرات منهم مستمرة ولن تنتهي.
وفي فيلم فتاة من إسرائيل تحدث الفيلم عن نوع آخر من العداء والحروب، وظهر اليهودي هنا رجل أعمال وأستاذ جامعي يستقطب الشباب فريسة البطالة والفراغ ويغريهم بالسفر إلى أوروبا أو إسرائيل من أجل العمل والثراء السريع.
واستمر هذا الشكل حتى اليوم، عضو في تشكيل عصابي هدفه إما دخول المخدرات إلى مصر أو تمويل عمليات إرهابية داخل مصر، وبغض النظر عن مستوى هذه الأعمال إلا أنها حافظت على وجوده كعدو أبدي وتاريخي لن ينتهي إلا بعودة الأرض المحتلة.
ونستطيع أن نقول أن السينما المصرية نجحت في رصد وتوثيق علاقة اليهودي بالشعب المصري ومصر ومراحل تطوره، من صديق وجار إلى مُحتل ومُغتصب أصبح عدوا تاريخيا وأبديا.
وعلى مدار عقود طويلة لم تنجح دولة الاحتلال بكل ما تملك من ماكينة الكذب والتلفيق والإعلام الفاسد في تحييد مشاعر الشعب المصري وتجعله يقبل بالتطبيع الشعبي الذي كان ولا زال مرفوضا، وساعدت السينما المصرية في تأجيج كراهية دولة الاحتلال ومواطنيها بتوثيق جرائمهم وعدائهم ومؤامراتهم المستمرة ضدنا جميعا.
اقرأ أيضاً:
لماذا خذلت السينما المصرية قضية فلسطين؟
قَاوِمْ وَثُرْ هَيَّا انْتَفِضْ وَاجْعَلْ عَدُوَّكَ يَرْتَعِدْ
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا