مقالات

المتلونون

ربما لا يشغلنا كثيرا أولئكم الذين يناصبوننا العداء والشقاء، فيجاهرون بكرههم لنا، فيتمنون زوالنا، قد ظهر خداعهم، وبان زيفهم، وتبينت حقيقتهم، أولئكم الذين لا يخفى ما يفعلون، ولا يستتر ما يبيتون، قد عرفت أشكالهم، وأخبرت أعمالهم، لست عندهم بالمقدس، لا يألون جهدا أن يسقطوك، وفي أقرب بئر أن يضعوك، وفي لجة سحيقة أن يغرقوك، لا يقابلك بالابتسام، ولا ترى منهم إلا كل ملام وكِلام!

نعم نحن لا يشغلنا من يظهر عداءنا، ويكدر دلاءنا، ويعكر صفونا، ويهدد أمننا، قدر ما يشغلنا ويؤرق نومنا أولئكم المتلونون، وثلة المنافقين، وشرذمة الراقصين، من يبادروننا بالمصافحة، والابتسامة على وجوههم، والفرح يكسو محياهم، لكن الكره –في الوقت نفسه– قد أكل أكبادهم، والغيظ يملأ صدورهم وأكنافهم، قد حشيت قلوبهم حقدا، وثملت نفوسهم حسدا، وغلت أرواحهم حنقا، تتهاوى ذواتهم توقا إلى النيل منا، ويتحينون الفرص للانقلاب علينا، وسلب الخير منا.

هؤلاء الذين يظهرون لنا الود والعاطفة، ويكونون معنا في الطريق والسالفة، فإذا ما أدرنا ظهورنا باغتونا بالملام، وأثخنوا في أجسادنا الجراح والكلام، قد ستروا الغل والشحناء، وتحينوا لنا الإيذاء واللأواء، وتمنوا لنا الموت والشقاء.

أبالسة في زي الملائكة

أبالسة في زي الملائكة، وهؤلاء في زي أولئك، وشياطين في مسوح الرهبان، وثعابين في سرابيل القانتين، يصافحك بيد والأخرى على الزناد، ويهديك الورد ويتمنى لك شوك القتاد، ويكيل لك المديح وأنت عنده الذبيح، ينصحك بالقول ويؤذيك بالعمل، ويربت على كتفيك بينما يتمنى لك قصر الأجل، يقابلك بالترحاب، ثم إذا ما تركك يكيل لك الشتام والسباب، يطعنون من الخلف، ويتبادرون بالإلف، قد شاهت أبصارهم، وعميت بصائرهم.

فترى الواحد منهم إذا ما عرف حسنة دفن وستر، وإذا ما درى عن سيئة أذاع وما ستر، ميدانهم الليل، والدليل الهزيل، لا يهتمون إلا بالمثالب، ولا يفقهون إلا في المعايب، قد ضمرت عقولهم، وضاقت صدورهم، وتدنت نفوسهم، قد خاب سعيهم، وعم شؤمهم، وضعفت همتهم، وخارت حيلتهم! لا يهنأ له بال، ولا يقر له قرار، ولا يطعم مأكلا، ولا يعذب له مشربا إلا بعد أن يحيك لك المكائد، وينصب لك المصائد، ويحفر لك من الحفر، ويهمهم عللا قبرك السور، حتى لا تقوم لك قائمة، وتخلد إلى ميتة دائمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هؤلاء يتسمون بالخسة، وأبعد ما يكونون عن العفة، ويتصفون بالدناءة، ويتمثلون المباءة، هم أحقر من أن يواجهوا، وأجبن من أن يكاشفوا، يهرعون إلى ما يؤذي، ويتباطؤون إلى ما يبني، ذوو نفوس وضيعة، وأفئدة خليعة.

لكن فليعلم هؤلاء أنه مهما طال بهم الزمان، وتواتر عليهم الحدثان، وظنوا أنهم سيخدعون الناس كل الوقت، لكن ذلك لن يكون أبدا، فإن الله يأبى إلا أن يظهر مخبوءهم، ويبين حقيقتهم، ويكشف سترهم، ومهما ظنوا أن لن يظهر الله أضغانهم، فإنهم سرعان ما يفتضح أمرهم، ويبتدر شأنهم، ولتعرفنهم في لحن القول، شاءوا أم أبوا!

اقرأ أيضاً:

إن أردت كذبًا، فالساحة مملوءة يا صديقي

تأثيرات داخلية أم خارجية!

بطون تكاد تنفجر من الجهل!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب