مشكلات القراءة
يحدث للكثير منا ألا يكون قارئا جيدا، بل قد لا يرغب في القراءة، ويعدُّها أمرا شاقا وبلا فائدة، والكثيرون إن اعترفوا بأهمية القراءة والتثقف إلا أنهم قد لا يمارسون ذلك بشكل صحيح، ويظهر ذلك من متوسط قراءة الأفراد في بلدنا والبلاد المتقدمة، والطلاب في بلدنا ربما يكونون من أكثر الفئات التي تَثْقُلُ القراءة على نفوسها.
ولنا أن نتساءل، من قال إن القراءة بلا مشكلات؟ ومن قال إن ترك القراءة أفضل من البحثِ عن حَلٍّ لمشكلاتها؟
أولا علينا أن نعترف أنَّ المشكلات التي قد تواجهني قد لا تواجهك بالضرورة، ولكل منا شخصيته، ومحاولة التعلم من خبرات الآخرين قد تساعدنا على تغيير رأينا وموقفنا من القراءة وإليك بعض الأفكار في هذا الموضوع:
1- مشكلة ثِقَلِ القراءة
إذا كنت طالبا وتعاني من ثِقَلِ القراءة على نفسك لأنها مرتبطة بالمذاكرة فأهلا بك في العالم الطبيعي، وأقول لك كثير من الناس يتضايقون كذلك، ولكن ليس من القراءة بل من أعمالهم، فالموظف يتضايق من قيامه من نومه مبكرا للذهاب إلى العمل، ولأنه يعمل هذا العمل منذ عشر سنين بلا تغيير، وهذا شيء عادي يحدث لكل من يرتبط بعمل منظم له وقت محدَّد، والسَّأَمُ قد يتسلل إلى أي شخص، وبما أن المذاكرة (القراءة) عملُك (في الوقت الحالي لأنك طالب) فأنت تَضِيقُ بها ذَرْعًا،
والحلُّ أنْ تدرك أمرا هاما، لماذا يتحمل الموظف الحكومي مشاق العمل الروتيني الممل؟ لأنه عمله الذي يتقاضى منه أجرا، ولأنه ينفق منه على نفسه وأسرته، وأنت أيضا عليك أن تتحلى بالصبر في عملك (القراءة) لأن هذا العمل سيشكل جزءا هاما من مستقبلك وحياتك القادمة، وعليك أن تدرك أن كل عمل في الحياة يحتاج إلى صبر،
ولو رأيت أعظم وأغنى لاعب في العالم (ميسي مثلا، أو ورونالدو، أو محمد صلاح) يتحدث عن الالتزام في مواعيد التدريب والنوم والاستيقاظ والطعام المعين والكلام المعين الذي ينبغي أن يقوله ويحترس من الخطأ، لوجدت هذا الشخص الثري الذي يبهرك يعيش في صندوق من القواعد الصارمة التي تحتاج إلى صبر وتضحية حتى يحظى بمهارته وشهرته وثروته.
فلا تتعجب أو تيأس إن كنت تشعر بالقلق من القراءة فهي تحتاج إلى صبر وتضحية بالتسلية والملذات، لكنها طريق للتعلم واكتساب المعارف والخبرات النافعة.
2- ماذا أقرأ؟
ماذا أقرأ؟ تواجهنا جميعا هذه المشكلة، قد نحب القراءة، ولكن نتساءل: ماذا نقرأ؟ إن العلوم أكثر من أن تحصى، فماذا أفعل؟ أولا: اقرأ عن أي شيء ولو جريدة، واعلم أن قراءتك منشورات الفيس الهادفة جزء من القراءة، ولو صادقت بعض الأشخاص الجادين على الفيس ستقرأ ما يمكنه أن يعلمك.
ثانيا: اقرأ في المجالات التي تهمك، وإذا قلت: لكنني لست مهتما بشيء، فسأقول لك: هذا غير صحيح، فإن الإنسان في عصرنا كي يعيش بل كي يلعب عليه أن يتعلم، تخيل لو ذهبت لصديق لك ولعبت معه لعبة إلكترونية مثلا لكنك لا تعرف كيف تلعب،
اسأل نفسك هل تعرف معنى الأوفسايد؟ معظم من يشاهدون الكرة لا يعرفون معنى أن يكون المهاجم متسللا، هل فكرت أن تقرأ على الإنترنت ما معنى التسلل؟ إذا وصلت لفكرة أن تعرف أكثر عن كل شيء في حياتك تهتم به لكنك ربما لا تعرفه حقا فستقرأ، ثم ستنضم إلى أولئك الشغوفين بالمعرفة والفكر وستعرف ماذا تقرأ.
3- كيفية التعامل مع حجم الكتاب الكبير
هل سأقرأ كل هذا الكتاب؟ حين تنظر إلى كتاب من الحجم الكبير ربما أكثر من 200 أو 300 صفحة تتساءل هل سأقرأ كل هذه الصفحات؟ وهل سأقرأ كل هذه الكتب؟ متى؟ وأين؟ وكيف؟ دعني أسألك سؤالا: هل تحب أن تصبح أقوى رجل في العالم؟
هاهاها إذا ضحكت وابتسمت وقلت في نفسك: نعم أريد أن أكون أقوى رجل في العالم، دعني أرشدك إذًا إلى كتاب مناسب، هناك كتاب بعنوان: (كيف تمسك بزمام القوة) للكاتب الأمريكي روبرت غرين يشرح فيه 48 نصيحة تجعلك الأقوى والأكثر سلطة، بل وتحافظ على ذلك، وهذا الكتاب أكثر من 700 صفحة، هل تعتقد أنه يستحق عناء القراءة؟
دعني أوضح لك: هل تعتقد أن كسلك قد يكون سر نجاحك؟ هاهاها لا طبعا غير معقول، لا صدقني معقول إليك هذا الكتاب (اعمل أقل تنجح أكثر، الكسل هو سر النجاح) للكاتب إيرني زيلنكسي، هل استفزك الكتاب السابق؟ هذا هو عالم الكتب والقراءة الساحر، الذي سيرسم لك حبيبة أحلامك بكلمات أبرع الكتاب الروائيين، وسيفتح لك طريقا آخر لتشعر وتغير فكرك كي تحقق أكثر الأشياء التي كنت تعتقد صعوبتها.
وللأسف هناك معلومات هامة وننظر إليها على أنها يسيرة وصغيرة ونحتاجها في حياتنا ثم نندم على أننا لم نتعلمها جيدا، فحين نفشل في معرفة كم أنفقنا من المال حين ذهبنا إلى المتجر، ذلك يعني أننا فشلنا في بعض عمليات الحساب الأساسية كالجمع والطرح والقسمة، فهل نقدر أن نجمع الجنيهات والكسور إلخ؟ حين يبيعك التاجر قميصا عليه خصم 10% وتقف وأنت المتعلم الجامعي عاجزا عن أن تحسب نسبة 10% من السعر الكلي للقميص، نقول: ليتنا انتبهنا أكثر في حصة الحساب، لكننا أحببنا الحساب بعدما كبرنا.
4- ما الذي ستضيفه القراءة إليَّ؟
إن المثقفين أشخاص ثرثارون فقط، إن الذهاب إلى المصيف أفضل من قراءة الكتب، ولو شاهدت فيلم هاري بوتر سأستمتع أكثر من قراءة القصة. يا صديقي ليس الأمر كما تظن، دعني أسألك: ما أكثر الأفكار التي تعتقد بها وتحبها في الحياة؟ هل تحب الإسلام، الأخلاق والقيم، الوطن؟ هل تعلم أن هناك من يرى أن الخير هو ما يحقق النفع؟
بمعنى أن سرقته لمالك سيحقق له الثراء فهذا خير من وجهة نظره طالما أنه قادر على أن يجد قانونا يحمي ما يفعله. هل شاهدت فيلم (جيسون بورن) للنجم (مات ديمون)؟ إذا شاهدته فأنت ستدرك المعاناة التي عاناها، حيث قام عميل استخباراتي بالتعاون مع أخصائيين نفسيين بتحويل شخص إلى آلة قتل فقط، لا يملك القدرة على طرح الأسئلة، بل ينفذ ما يملى عليه فقط.
ألم يخِفْك يوما ما أمرٌ كهذا وأنت تشاهد فيلما ممتعا؟ هل تدرك أن هناك علوما للتسويق والإعلان تجعلك تشتري الأشياء حتى وإن كنت لا تريدها؟ في الماضي كنا نذهب إلى التاجر نحضر البيض والجبن فقط كما طلب منا الوالد، أما اليوم فأنت تدخل إلى المتاجر الكبيرة لتختار ما تريده بنفسك فتجد كل السلع بأصناف عديدة بل تجد إلى جانب ذلك سلعا ما كنت تفكر في شرائها، ثم تخرج من المتجر وأنت تتساءل كيف اشتريت كل هذا؟ لقد كنت أرغب في شراء علبة عصير فقط!
هذا ما يفعله العلم والقراءة، يجعلك تفهم الأمور بعمق أكبر ويمنح المتخصصين فيه قوة أكثر، ويمكِّن بعض العلماء والمؤسسات أن تتحكم في كل شيء، بل يتحكمون فيَّ وأنا لا أعرف. يغيرون قيمي ومبادئي ومشاعري باحتراف ودون أن أدري، وإذا لم أتقن القراءة الواعية والتفكير والتثقُّف المعتدل الواعي الناقد سوف أفقد نفسي وقد أصبح شخصا لم أتخيَّلْهُ يوما.
5- إنني لا أفهم كثيرا مما أقرؤه، فما الحل؟
صديقي العزيز لقد أضحكتني من كل قلبي، هل أنت تعتقد أن المثقفين يفهمون كل شيء يقرؤونه؟ كلَّ شيء! عليك أن تدرك أننا لا نكون بكامل تركيزنا طوال الوقت، حتى أنا وأنا أكتب هذه الكلمات قد أفقد تركيزي أحيانا وتتفلت مني بعض الأفكار الرائعة.
واعلم أنه لا أحد يحفظ كل ما يقرأ فلا ينسى شيئا، ولا أحد يقرأ أو يعمل أو حتى يلعب بكامل تركيزه طوال الوقت، واعلم أنك إن فقدت تركيزك قليلا فقد تحتاج إلى استراحة، أو أن تنتبه أكثر لما تقوم به، وإذا كنت تنسى ما تقرؤه، فإن كل كلمة تقرؤها تنطبع في ذهنك وعقلك وقلبك وستفيدك وستغير من طريقة تفكيرك، فلا تيأس أو تنصرف عن القراءة لهذا السبب، ثم إنك لو قرأت كتابا ولم تفهمه كاملا فهذا يعني أنك تعلمت قدرا منه، ثم إن الإنسان مهما كان مثقفا لا يستطيع فهم كل شيء.
وفي مجال التخصص العلمي مثلا بعض الكتب تكون أيسر وأفضل عرضا للمعلومات، كما أن كاتبا قد يكون سهل الأسلوب وآخر معقد الأسلوب، وقد يكون الكتاب مترجما مثلا فمؤلفه الفرنسي مثلا يستشهد بمعلومات وأفكار عديدة تخص الثقافة الفرنسية وأنا أقرأ النسخة المترجمة ولست مطلعا على الثقافة الفرنسية فلن أفهم الكتاب، وهكذا الكتب عالم واسع فلا تجعل مثل هذه الأمور توقفك عن القراءة.
6- أخيرا هل سأصبح شغوفا بالقراءة؟
أنا شخصيا يكفيني أن أكون مهتما بالقراءة،. وألا أفقد رغبتي في معرفة معلومات جديدة ومقنعة عما أهتم به في الحياة، صدقني هذا يكفي جدا.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا