مقالات

حاجة المجتمعات إلى الرجولة

 تعنى كلمة رجل في القاموس اللاتيني “vir”، والرجل عكس المرأة “mulier” أو الأنثى “femina” بشكل عام. ويسند المجتمع الروماني للرجل شتى المهام التي هي في حاجة إلى قوة وخشونة وأحيانًا غطرسة. وعندما يكون الرجل مُحاربًا مُقاتلًا شجاعًا في مواجهة الأعداء وقادرًا على استرداد حقه فإنه يتسم بصفة الرجولة “virtus”.

مفهوم الرجولة لدى المجتمع الروماني

ولقد تخطت الرجولة والشهامة لدى الروماني القديم أهميتها اللغوية، ومنحها معنى دلالي واسع، حتى إنه كان يصف أي شيء مُفيد بأنه يتسم بالفيرتوس، ومن ثم وجدنا الروماني القديم وقد منحها للنساء والآلهة والحيوانات، وكذلك الأفكار المجردة والأشياء غير الحية.

ولعبت الرجولة دورًا محوريًا وحيويًا في تاريخ الحضارة الرومانية، خاصة وأن تلك الحضارة قد نشأت بفعل الحرب وحُب القتال واستخدام السلاح؛ فمن أجل إنشاء وطن، حمل الرومان الأوائل السلاح واحتلوا أرض الغير، ومن أجل توسعة رقعة هذا الوطن، سعى الرومان إلى غزو أراضي وأوطان الآخرين.

وفي وسط هذه الأجواء من حروب ومعارك، كان المجتمع الروماني يرفع من شأن الرجل القادر على المواجهة باستخدام السلاح، ويمنحه كل آيات التكريم والتبجيل، ويرى فيه أنه يتمتع بالرجولة “Virtus”، ومن ثم يتمتع بجميع الفضائل والصفات الحسنة، فالفيرتوس فضيلة الفضائل، وهى متجانسة غير منقسمة، تسمو بصاحبها عن الدنايا وارتكاب الموبقات من الأفعال أو حتى الأقوال.

ورويدًا رويدًا صارت “فيرتوس” تعني الشهامة والفضيلة، إلى جانب كونها رجولة، وعلى إثر هذا المفهوم الأخلاقي المجتمعي ونظرته للرجولة “فيرتوس” وأصحابها، فقد ارتج المجتمع الروماني، رجًا عنيفًا عام 63 ق.م؛ وذلك عندما وجد أن مفهومه عن الفيرتوس في مهب الرياح وعلى أيدي رجال من المُفترض أنهم يتمتعون بتلك الصفة السامية النبيلة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أزمة أخلاقية

إن الرجولة التي نشأ بفضلها المجتمع الروماني هي الآن توشك أن تقضي عليه؛ ففي عام 63 ق.م تآمر بعض من أعضاء مجلس الشيوخ ونائب رئيس المجلس على بعض من أعضاء المجلس الآخرين، وأرادوا قتلهم. وأمام هذه الواقعة غير المسبوقة، عقد مجلس الشيوخ جلسة خاصة لمناقشة تلك الواقعة الفريدة الجديدة، وذلك من أجل التصدي والحفاظ على المجتمع وقيمه ومفاهيمه في عيون أبنائه؛ فتغيير المفاهيم المجتمعية يمثل تهديدًا لكيان المجتمع الرومانى، وهلاكه.

ولقد ناقش تلك الواقعة ثلاثة رجال لهم قيمتهم وقامتهم المجتمعية، العسكرية والأدبية والتشريعية، وهم شيشرون “Ciceron” وكاتو “Cato” وقيصر “Caesar”، وقد اتفق ثلاثتهم على أن هذه الواقعة تُمثل خرقًا للقيم المجتمعية، وأزمة تدني معايير الرجولة “فيرتوس” في عصرهم، وأنها جريمة أخلاقية، أكثر خطورة على المجتمع من جرائم القتل أو السلب.

فرغم أن الجمهورية قد عانت على مدى سبعين عامًا ماضية سابقة على عام 63 ق.م الكثير من الأزمات التي كادت أن تعصف بها، إلا أنها لم يمر بها أزمة عاصفة مثل تلك الواقعة الإجرامية، وهذه الأزمة المجتمعية، والتي وصفها الرومان بأنها أزمة أخلاقية أكثر منها جريمة في حق المجتمع الرومانى.

إرث الأسلاف

لقد كان الخروج عن معايير الرجولة “فيرتوس” يعني لدى الرومان انهيارًا أخلاقيًا، فالرجولة والشهامة والفضيلة سمتهم، وهى المسؤولة عن تصوير العظمة الرومانية في عيون الآخرين، كما أنها تَمييز للسلوك المثالى للرجل “vir” الرومانى القويم. وتحفيزًا للرومان على ضرورة التمسك بالرجولة وعدم التفريط فيها، نادى الفيلسوف والخطيب الرومانى شيشرون أبناء جلدته من الرومان بشكل جيد في خطبته التي ألقاها أمام عامة الرومان عام 43 ق.م، وطالبهم فيها بضرورة التمسك بالفضيلة والرجولة فهي الإرث الذى تركه لهم أسلافهم، وبها استطاعوا القضاء على أعدائهم وغزوا البلاد التي فتحوها.

اقرأ أيضاً:

من الواقع إلى بطولة سبايدر مان 

الإنسان” ذلك الكائن الأخلاقي

بر الوالدين في الفكر الصيني

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ.د صلاح السيد عبد الحي

أستاذ دكتور بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الاداب جامعة سوهاج. ومدير مركز حضارات البحر المتوسط.