الأضحية في تراث اليونانيين الأقدمين
خلق الله آدم، وجعل منه أبا للبشر، وذات مرة أراد ابناه أن يتقدما بقرابين شكر لله، إلا أن الله عز وجل تقبل قربان أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فوقعت الضغينة بينهما، حتى أن الأخ الذي رفض الله قبول قربانه قد سمحت له نفسه قتل أخيه، غِيرة وحسدا، وبالفعل قتل قابيل أخاه هابيل. كانت هذه أول قصة لقربان يتقدم به البشر لله شكرا، أوردتها الكتب السماوية، العهد القديم والقرآن.
أسطورة الخلق الأول للبشر
وعندما نأتي إلى الحضارة اليونانية القديمة، نجد اليونانيين وقد أوردوا فيما ابتكروه من أساطير –تلقي الضوء على حياتهم القديمة من جهة، أو تُفسر عاداتهم وتقاليدهم من جهة أخرى– أسطورة تناولت الخلق الأول للبشر، وكيف أراد كبير آلهتهم زيوس إعمار الأرض بالمخلوقات والموجودات.
واستطاع أحد الآلهة الصغرى “بروميثيوس” وبمعاونة أخيه “إبيميثيوس” أن يلبي رغبة زيوس، واستطاعا تكوين وتشكيل كافة المخلوقات والموجودات، وقد منحاها صفاتها التي تحفظ لها نوعها في هذا الكون الفسيح.
وبعد إيجاد كافة المخلوقات والكائنات، التي تطير في السماء، أو تسبح في البحر، أو حتى تلك التي تحيا في الغابات والجبال، أتى اليونانيون في أسطورتهم إلى إيجاد الإنسان، والذي احتاروا حول الصفات الواجب منحها له حتى يحافظ بها على نوعه ووجوده في هذا الكون وبين تلك المخلوقات والموجودات، خاصة وأن جميع الصفات التي تحافظ على النوع قد أخذتها المخلوقات والموجودات السابقة على وجود الإنسان، ومن ثم فلم يكن أمام اليونانيين غير صفات الآلهة كي يمنحوها للإنسان، باستثناء الخلود.
فالإنسان تم تكوينه من تراب وماء، ومن ثم سوف يكون غذاؤه من التراب والأرض التي أتى منها، وبعد موته سوف يتم رده إليها ثانية ودفنه فيها. وعلى هذا النحو جعل اليونانيون فرقا واضحا بين الآلهة والإنسان، فالآلهة تتغذى على شراب وطعام ليس له صلة بالأرض، مما يمنحها صفة الخلود وعدم الفناء.
وهكذا أتى الإنسان لهذا الكون الفسيح مماثلًا للآلهة، باستثناء فنائه الذي كتبته عليه الآلهة. وتعويضًا له عن قِصر حياته فقد منحته الآلهة حق الاستمتاع بمباهج الحياة وجعلت كل شيء في هذا الكون مُسخر لراحته وإمتاعه، ولم تكلفه بعمل أو عبادة في تلك الحياة، وأمام هذا الرضى الإلهي أراد الإنسان، ذات يوم، التعبير عن شكره للآلهة التي جعلت الكون وكل ما فيه مُسخرا له وحده.
الأضحية عند اليونانيين
فذهب بعض البشر وراء ثور ضخم وطاردوه، وبعد جهد استطاعوا الإمساك به، وبينما هم ممسكون به فقد توجهوا بأنظارهم نحو السماء، حيث تسكن الآلهة، وأخلصوا في دعائهم ونيتهم في نحر هذا الثور وتقديمه أضحية وقربانًا “Thusia”، شكرا وتعبيرا عن امتنانهم وإيمانهم بآلهتهم.
وقاموا بنحر الثور، ولكنهم وأثناء سلخهم للثور وإعداده للشواء إذ بهم يجدون الإله زيوس بينهم وقد نزل من عرشه في السماء ليأخذ الأضحية التي قدموها له، وهنا دب، ولأول مرة، خلاف بين الإله زيوس، الذي أمر بإيجاد البشر وسخّر لهم كافة الموجودات والكائنات، وبين البشر الذين رأوا أنهم اجتهدوا في اصطياد الثور ونحره، وتعبيرا عن إيمانهم فقد أظهروا تقواهم وحبهم لإلههم، وفي هذا كفاية للإله وليس له حق تناول الأضحية التي تعبوا في اصطيادها.
بينما الإله زيوس كان يرى أحقيته في الأضحية كلها منفردًا، فهو الذي أوجدها كما أوجد البشر والكون أجمعه، ومن ثم فليس لأحد غيره تناول تلك الأضحية ويكفي البشر ما يستمتعون به في ذلك الكون الفسيح من رضى الآلهة وتيسير الكون من أجلهم.
وأمام هذا الخلاف، أتى بروميثيوس، المعروف بحنكته وعقله الراجح، لحل هذه المعضلة وذاك الخلاف. وبالفعل قال بروميثيوس بأن كلًا من البشر والإله زيوس شركاء في تلك الأضحية، ومن ثم فلا بد أن يكون لكل منهما نصيب منها.
ووافق كل منهما على هذا الرأي، ومنذ تلك اللحظة صار اليونانيون يقدمون أضاحيهم للآلهة قولا تعبيرا عن إيمانهم وحبهم لآلهتهم ويكفي الآلهة هذا الإيمان والحب البشري نحوهم، ثم يسلخون أضحيتهم ويتناولونها هانئين سعداء.
اقرأ أيضاً:
مفهوم السعادة في الفكر الفلسفي اليوناني
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.