مقالات

ولا عزاء للبحث العلمي في وطني!

«يوشيكي ساساي» Yoshiki Sasai (1962 – 2014)، عالم ياباني مرموق متخصص في الخلايا الجذعية وهندسة الأنسجة، كان أحد المؤسسين لمركز «ريكن» لعلم الأحياء التنموي في كوبيهRIKEN Center for Developmental Biology (CDB) in Kobe (معهد أبحاث رئيس لعلم الأحياء في اليابان)، ومديرًا لمختبر تخليق الأعضاء Organogenesis وتكوين الخلايا العصبية Neurogenesis بالمعهد.

اشتهر «ساساي» بتطويره لمناهج جديدة لزراعة الأعضاء في بنى شبيهة بالأعضاء، وهو أول باحث في الخلايا الجذعية يُنمي «قُديحًا بصريًا» Optic cup (منطقة بيضاء تُشبه القدح وتقع في منتصف القرص البصري) من الخلايا البشرية سنة 2012. وقد نال عن أبحاثه جائزتين يابانيتين كبيرتين هما جائزة أوساكا للعلوم Osaka Science Prize وجائزة إينوي للعلوم Inoue Prize for Science.

انتحار ساساي

في الخامس من أغسطس سنة 2014 وُجد «ساساي» منتحرًا ومُدلى بحبل من رقبته داخل المعهد. وضجت الميديا العلمية ووسائل التواصل الإلكتروني بتفاصيل الخبر الذي يُجسد الضمير العلمي في أشد صوره إثارة للتأمل.

كان «ساساي» يُشرف على بحث لكبيرة الباحثين بمعهد ريكن «هاروكو أوبوكاتا» Haruko Obokata (من مواليد سنة 1983) –بمشاركة فريق بحثي من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية– أثارت نتائجه ضجة كبيرة في مجال علم الأحياء الجزيئي عندما نُشر في دورية نيتشر Nature العلمية البريطانية في يناير 2014، حيث زعمت «أوبوكاتا» أنها توصلت لأساليب بسيطة لإعادة برمجة خلايا حيوانية ناضجة إلى حالة شبه جنينية تتيح لهم إنماء أنواع عديدة من الأنسجة، الأمر الذي يُبشر بالقدرة على استبدال خلايا سليمة بتلك المتضررة، بل واستنبات أعضاء بشرية جديدة.

وما هي إلا أيام حتى بدأ المتخصصون يُشككون في مصداقية النتائج المُعلنة، وبعد تحقيق أجراه معهد ريكن ثبت أن ثمة أخطاء في المنهج العلمي المُستخدم، وأن أوبوكاتا قد انتحلت واختلقت أجزاء من بحثها، مما يطعن في مصداقية العلم في اليابان ويضر بسمعة البلاد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وبلغت تطورات الأمر إلى التشكيك في جودة أطروحة أوبوكاتا للدكتوراه، واتهام ساساي بالتقصير في الإشراف العلمي على الباحثة، والمطالبة بسحب البحث من دورية نيتشر، وهو ما تم بالفعل في يونيو 2014.

البحث العلمي في العالم العربي

انتحر «ساساي» لإحساسه بالمسؤولية إزاء انتهاك مبدأ الأمانة العلمية، وشكَّل انتحاره صدمة كبيرة لجميع المهتمين بالبحث العلمي على مستوى العالم، ربما كصدمة الإجابات التي تتلقاها حين تتساءل عن أوضاع البحث العلمي في العالم العربي، وحين تطرق أبواب الضمائر العربية فتجدها غارقة في سُبات عميق تُغذيه فوضى الرسائل العلمية والأطروحات البحثية والبحوث المفبركة.

بحُكم عملي الجامعي، ومناقشاتي لكثيرٍ من الرسائل، وتحكيمي لعديدٍ من بحوث الترقيات، أستطيع القول إننا في الدرك الأسفل من منظومة العلم والبحث العلمي؛ مدارس علمية زائفة، أساتذة يبيعون الجهل ويتربحون منه على مرأى ومسمع من الجميع، سرقات علمية فجة يُدافع عنها مقترفوها بوقاحة، حتى لقد زعم لي أحدهم (وكان أستاذًا مشرفًا) أنها رغم حرفيتها (أي السرقة العلمية) مجرد توارد للخواطر! أطروحات وأبحاث تُكتب تحت بئر السلم، وشهادات تُباع، وألقاب تُمنح علنًا في أسواق النخاسة الفكرية.. إلا ما رحم ربي!

ولا عزاء للبحث العلمي في وطني!

اقرأ أيضاً:

علــوم على الأرصفة

لحوم العلماء .. بين المدح والذم!

لا تجعلوا محاضراتكم اكتب ما يملى عليك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية