مقالاتسارق ومسروقفن وأدب - مقالات

سارق ومسروق – الوجه السادس والعشرون

أربعون وجها للص واحد "متتالية قصصية"

لم يكن هذا الوجه سوى الوجنتين السمينتين لهذا الرجل الذي كان يقف أمامه في الطابور، صارخا فيه، وكل زملائه:

ـ للأمام در.

ويسمع أولئك الذين لا أمر لهم ولا شيء سوى الامتثال، فيصرخون معها:

ـ هااااب هووب.

كانا معا فوق أي وجه تخيله من قبل، تضفي عليهما صرامة الرجل؛ ما يجعل من الصعب نسيانهما.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كان قائدا بمعنى الكلمة، شخصيته الفريدة التي جمع الله فيها صفات قلما تتوفر في شخص واحد، طالما جذبت السارق، وطالما تمنى أن يكون مثله، لكنه أدرك بمرور الوقت أن هذا صعب؛ لا سيما أن الرجل كان نظيف اليد، زاهدا في ما عند غيره، مخلصا لعمله بلا حد.

قابله مصادفة بعد ربع قرن، فوجده لا يزال متماسكا، جسده قوي وقلبه منشرح، وحين مد يده لمصافحته ابتلعها بين أصابعه الطويلة، وهو ينتظر منه أن يعرفه بنفسه. سحب يده كاتما توجعه، وسأله:

ـ ألم تتذكرني؟

ابتسم الرجل، وقال وهو ينظر في عينيه بصراحته المعهودة:

ـ اعذرني لم يبق في الذاكرة سوى القليل.

ابتلع ريقه، وتغلب بصعوبة على إهانة سرت في شرايينه، وقال له:

ـ كان الله في العون، في حياتك كثيرون.

هز رأسه في ثقة وسأله:

ـ أين رأيتك؟

ذكر له في عجالة بعض التفاصيل، فتذكره كخيط أسود يرتعش في أفق ليلة قمرية، وما يكاد يبين حتى يختفي، وأدرك أنه أمام شخص سيء، فهز رأسه وأطلق في وجهه ابتسامة فاترة، واستأذن منه وانصرف يدوس الأرض بخطى واثقة، تاركا وجهه شاردا في هامة سور طويل رآه يرتفع أمامه، وهو يتضاءل حتى شعر أن الأرض ابتلعته، كخنفسة جائعة.

قرأ أيضاً:

الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، الوجه الرابع، الوجه الخامس

الوجه السادس، الوجه السابع، الوجه الثامن، الوجه التاسع ، الوجه العاشر

الوجه الحادي عشر،الوجه الثاني عشر ، الوجه الثالث عشر، الوجه الرابع عشر

الوجه الخامس عشر، الوجه السادس عشر، الوجه السابع عشر، الوجه الثامن عشر

الوجه التاسع عشر، الوجه العشرون، الوجه الحادي والعشرون، الوجه الثاني والعشرون

الوجه الثالث والعشرون، الوجه الرابع والعشرون، الوجه الخامس والعشرون

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري