إصداراتمقالات

أبوكاليبتو الحضارة الإسلامية

أبوكاليبتو الكلمة…تعني الدمار الكامل أو وقت النهاية للحياة كما نعرفها. والإنسان الواقعي دائما يدرك ويحسب حساب هذا اليوم. ولكننا نختلف في تقديره وحسابه. فالبعض يرهن نهاية الحياة كما يعرفها بنهاية حياته هو شخصيًا. والبعض بنهاية الحضارة التي ينتمون لها والبعض بنهاية الكون ككل في يوم الساعة. ولكل اعتبار من الإعتبارات أثر نفسي مختلف فهناك من يهتم بحياته الشخصية فقط وهناك من يهتم بحضارته ومجتمعه وهناك من يهتم بالإنسانية بوجه عام. ونحن في النهاية نتساءل ماذا يجب علينا أن نفعل؟ ما الطريق السليمة التي ينبغي أن نختارها؟ ما هي حضارتنا وهويتنا؟ ينمو الشخص منا سليم الفطرة قوي البنية يبتغي الخير والمجد لأمته ودينه، فيصدم بواقع مرير من الانبطاح والاستسلام. ويجد كل أعمدة وأصرحة الفكر والمبادئ والوطنية منهارة خائرة. ويصدم أكثر حينما يجد أن من دمرها هم أهل هذه الحضارة وهذا البلد الذي عاش فيه. فحضارتنا وللأسف دمرت نفسها بنفسها ذاتيًا بيد أهلها. وهذا هو ما يشير له القرآن الكريم “أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”. وهو أيضا ما أشار إليه الكاتب والمؤرخ الأمريكي وليام جيمز ديورانت حيث يقول “إن الحضارات العظيمة لا تستعمر من الخارج إلا بعد أن تكون قد دمرت نفسها من الداخل”.

نحن نؤمن بأن كل ما هو محدود له بداية ونهاية. ولما كان فساد أمتنا محدود فعلينا أن نبحث في بداياته لنعرف كيف ننهي هذا العصر من الإضمحلال. مما لا شك فيه أن الرسالة الإسلامية كاملة وأن مجرد السير عليها بعزم وخطى ثابتة وإيمان قوي يكفي لإفاقة الأمة وإصلاحها. وعليه يجب أن نبحث في تاريخنا عن النقطة التي بدأنا منها الإنحراف عن الرسالة الإسلامية الحقيقية فأصابنا ما أصابنا.إننا بتحليلنا لواقعنا وتاريخنا الإسلامي نجد أننا نفتقر دائما للقيادة والقدوة. فإما أن توجد القيادة في غير القدوة وإما أن توجد القدوة في غير القيادة. ونتيجة هذا يحدث صراع المنافع في المجتمع. فالإنسان بطبعه محب للسلطة والجاه والمال. وهو في ذات الوقت يحب التقوى والصلاح والخلق الحميد. فيجد تنازعًا بين أن يطيع السلطان الجائر أو الحكيم المستضعف.

المحلل المنصف للتاريخ الإسلامي لن يستطيع الهروب من هذه الحقيقة المؤلمة المؤسفة. لقد آل حكم وقيادة المسلمين لأشباه الرجال (مترفيها) ففسقوا في البلاد واستباحوا الأعراض والمحرمات. وحاربوا في غير موضع الحرب وهادنوا في غير موضع الهدنة. وأسرفوا في بناء القصور وأهدروا ثروات البلاد على النزوات الشخصية والشهوات. حتى ضج الناس منهم وسئموا من سوء أحوالهم. كان من الممكن في تلك الحالة أن تتجه الناس للحكيم ولكن وجدوا أغلب الحكماء إما أغنياء ولكن فقهاء السلاطين يبيعون الفتوى بالدرهم والدولار وإما مستضعفين مقهورين ولكن حقيقيين. وكان الأولى أن يتبعوا الحكيم الحقيقي الفقير حتى وإن حرموا من بعض الدنيا أو أغلبها. ولكن سنين الترف والنعيم وأحلام الثروة والبذخ التي صورها لهم الإعلام الفاسد في كل عصر حبستهم عن طاعة الحكيم الحقيقي لأنهم وجدوا فيها مرارة البعد عن الدنيا التي ملأت قلوبهم.

فاختار الناس البديل الأسوأ وهو طاعة الغرب الليبرالي الدجال. هذا البديل كان ساحرا وداهية بالفعل. فالليبرالية تقول كن ما شئت ولكن حدود حريتك عند بداية حرية الآخرين. فدخل المجتمع في فتنة التمييع والتوهين للدين في كل الصور. فلم يبقى من الدين إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه. العلمانية لا تقول لك كن كافرا ولكن مع الوقت تسلب منك تمسكك بالدين بمغالطات الحريات والإرادة الإنسانية. وكأن الدين جاء من رب لا يعلم عن خلقه شيء فلم يراعي حرياتهم وإرادتهم الحرة.

لقد بني مبدأ الحرية في الليبرالية على مبدأ مادي باطني. فالليبرالية تدعي أن الإهتمام بحاجات الإنسان وحده كفيل بإصلاح المجتمع. وهذا لا عيب فيه طالما أننا نعرف حاجات الإنسان بشقيها المادي والمعنوي. ولكن الليبرالية لا تعرفها كذلك ولا ترى في الإنسان هذا الشق المعنوي. فالمدرسة التجريبية لا تؤمن إلا بما يمكن إخضاعه للتجربة في المعمل ولما كانت روح الإنسان لا تخضع للتجربة. لم يلحقوها في مكوناته الذاتية. فتاعملوا مع الإنسان كقطعة من اللحم تأكل وتتنفس وتتزاوج وتتحرك وأن الحاجة للدين والمنهج الروحاني هي مجرد نزوة عاطفية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي النهاية سقط المجتمع الإسلامي في عدمية وعبثية لا نهاية لها. فنحن تائهون بين القبلات الفكرية والدينية الزائفة. نجربهم بدون ترتيب أو فكر معين. ثم بعد أن تعيينا تجربة ما نختار التجربة التي تليها من بين اختيارات محدودة ومحددة لنا. ثم بعد أن ننتهي من كل الاختيارات نعيد التجربة من أولها بعد أن تكون الأجيال قد تغيرت ومات من يتذكر ونسي من عاش. فنتلوي مثل اللحم المشوي على نيران الأفكار والمذاهب. ولا نفيق إلا بعد أن نجد أنفسنا قد تمت طهينا وأصبحنا وجبة شهية معدة للافتراس من أعدائنا. فيصدق علينا القول أننا كحضارة لن نستعمر من الخارج إلا بعد أن نكون قد دمرنا أنفسنا من الداخل. فيحق علينا العذاب والدمار كما قال الذكر الحكيم.

و حل هذه المشكلة بسيط. فهو من سياق الكلام أننا ننسى ما مر بنا أو أن من له ذاكرة يعش مغمورا مجهولا. فالحل هو أن نفيق من تلك الحلقة المفرغة من التقلب والتقلقل على جمار الأفكار والمذاهب وأن نبني لأنفسنا فكر إسلامي سليم وبدليل عقلي صحيح. نستطيع حينئذٍ فقط أن نجد في أنفسنا الإيمان والإرادة لتحقيق أمال الشعوب والأجيال المقهورة في رفع الظلم وإقامة دولة العدل. وهذا هو هدف الإسلام الأصلي. “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. علينا نحن أهل الحضارة الإسلامية أن ننصف مع أنفسنا قبل أن نطلب الإنصاف من غيرنا. أين نحن الآن من الحضارة الإسلامية الحقيقية ورسالة الإسلام؟ وهل لدينا الإرادة الحقيقية لإعادة بناء هذه الحضارة على الأسس الفكرية السليمة؟ والأهم هل لدينا تعريف حقيقي لحضارة الإسلام الحقيقية التي ينبغي أن تكون؟ أم أن كل ما لدينا هي قصص خيالية وألف ليلة وليلة لا تسمن ولا تغني من جوع مليئة بالجواري والخمر والشعر والعود والغناء. نعم للأسف لقد دمرنا أنفسنا بأنفسنا. وغرتنا الحياة الدنيا والشهوات حتى انتفى من عندنا أي تمسك مبدئي وصارت كل صلاتنا ودعائنا للدنيا والجسد وأسقطنا الله والآخرة من حساباتنا إلا من رحم ربي فحق علينا العذاب. ومخطئ من يدعي أن لنا خصاصة عند الله. فإن أفضلكم عند الله أتقاكم والصلة والخصوصية الوحيدة بين أي أمة والله هي التقوى. ونحن لسنا ببعيد عن بني إسرائيل الذين اصطفاهم الله على العالمين ليبتليهم في إيمانهم وطاعتهم له فلما نكثوا على أعقابهم القهقري استبدل الله بهم قومًا آخرين هم أشد منهم بأسًا وطاعة لله. فلا ندعي أننا شعب الله المختار لأن الله عدل وكما فعل مع بني إسرائيل سيفعل معنا.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.