أسئلة عامة

هل أرض فلسطين من حق اليهود دينيًا كما يزعم الصهاينة؟ كيف نرد على ادعاءاتهم؟

إن أدلة من يقول أن فلسطين هي من حق اليهود دينيا هي بعض النصوص في التوراة: فمثلًا في سفر التكوين، قيل في الإصحاح 12: “1 وقال الرب لإبرام: «اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك… 4 فذهب إبرام كما قال له الرب وذهب معه لوط….5 … وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتوا إلى أرض كنعان”. وأرض كنعان هي أرض فلسطين حاليًا.
وفي الإصحاح 15: “18 في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا: «لنسلك أعطي هذه الارض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات. 19 (أرض) القينيين والقنزيين والقدمونيين 20 والحثيين والفرزيين والرفائيين 21 والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين». (لاحظ .. هدفهم من النيل إلى الفرات)
وقد انتقل العهد بعد ذلك لذرية إسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب: ففي الإصحاح 26: “2 وظهر له الرب (لإسحاق) وقال: «3 تغرب في هذه الأرض فأكون معك وأباركك، لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد، وأفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك”.
وفي الإصحاح 35: “9 وظهر الله ليعقوب أيضا… 10 وقال له الله: «اسمك يعقوب. لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل يكون اسمك إسرائيل» … 11 وقال له الله: «أنا الله القدير. أثمر وأكثر. أمة وجماعة أمم تكون منك، وملوك سيخرجون من صلبك. 12 والأرض التي أعطيت إبراهيم وإسحاق، لك أعطيها، ولنسلك من بعدك أعطي الأرض»”.
ونعلق على هذه الأدلة كما يلي:
أولًا: إن نصوص التوراة الموجودة حاليًا يوجد شك كبير في نسبتها لنبي الله موسى وبالتبعية لله عز وجل، حيث إنها كتبت بعد حياة سيدنا موسى عليه السلام بقرون كثيرة، ولم يتم حفظها بالتواتر، إذن هي غير مؤكدة لا عقلا ولا دينيا ولا تاريخيا ويوجد احتمال كبير بتحريفها.
ثانيًا: إن النصوص المذكورة تعطي وعدًا لنسل نبي الله يعقوب، والصهاينة الموجودون حاليا ليسوا أصلا من بني إسرائيل ونسل نبي الله يعقوب، فالصهاينة الموجودون حاليا جاءوا من أجزاء مختلفة من العالم مثل أوروبا الشرقية وروسيا وغيرهما، فهذا الوعد إن صح لا يشملهم أصلا!
وهناك أكثر من بحث ودراسة تاريخية تناولت هذا الموضوع، ويقال إن الجغرافي القدير جمال حمدان هو صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت في كتابه «اليهود أنثروبولوجيا» الصادر في عام 1967، بالأدلة العلمية أن اليهود المعاصرين الذين يدّعون أنهم ينتمون إلى فلسطين، ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية «الخزر التترية» التي قامت بين «بحر قزوين» و«البحر الأسود»، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات «آرثر كويستلر» مؤلف كتاب القبيلة الثالثة عشرة الذي صدر عام 1976.
كما أن النص المذكور من التوراة يذكر بشكل واضح وجود شعوب أخرى في هذه الأراضي، ولا يذكر شيئا عن قتل أو تهجير هؤلاء الشعوب.
ثالثًا: إذا فرضنا جدلا أن الوعد صحيح وثابت لليهود الموجودين اليوم، فإن طريقة السكن في هذه الأرض يجب أن تكون متماشية مع التعاليم السليمة للدين اليهودي والأخلاق الحسنة، فمثلًا من أشهر النصوص اليهودية هي الوصايا العشر، والتي منها كما ذكرت في سفر الخروج – الإصحاح 20: “13 لا تقتل. 14 لا تزن. 15 لا تسرق. 16 لا تشهد على قريبك شهادة زور. 17 لا تشته بيت قريبك. لا تشته امراة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك”. وقد خالف الصهاينة كل هذه الوصايا في استيلائهم على أرض فلسطين!
بل إن التوراة نفسها تقول إن إبراهيم عليه السلام وأبناءه كانوا يراعون حسن الجوار مع غيرهم من أهل فلسطين، بل تؤكد التوراة أيضًا إن إبراهيم عليه السلام عندما أراد أن يدفن زوجته سارة أصرّ أن يشتري قطعة أرض بماله من أحد سكان الأرض الأصليين ليدفنها فيها، فلم يغتصب الأرض ويقتل أهلها ويستولِ عليها!
رابعًا: عندما حاولت الحركة الصهيونية في العصر الحديث البحث عن وطن قومي لليهود، كانت الاختيارات تشمل الأرجنتين أو أوغندا أو فلسطين، وبالتالي لم تكن الحركة الصهيونية أصلا تعتمد في البداية على هذه النصوص أثناء بحثها عن الوطن القومي لليهود!
ففى عام 1886 قام تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية بوضع اقتراحات قدمتها بريطانيا والبارون اليهودي الألماني مورس دي هيرش بتأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو أوغندا أو فلسطين.
خامسًا: إن الحركة الصهيونية في جوهرها هي حركة علمانية دنيوية، تبحث عن المنفعة المادية لا غير، ولا تؤمن إلا بالقوة المادية، وتستخدم اليهودية كغطاء لها ولجذب اليهود لا غير. وقد أوضح هذا بالتفصيل د. عبد الوهاب المسيري في كتاباته عن الصهيونية والعلمانية.
بل إن الكثير من قادة هذه الحركة غير متدينين أصلا، فابن غوريون مثلًا يذكر في مذكراته أنه لم يذهب لدار العبادة بعد وصوله لأرض فلسطين لمدة 40 عامًا، ومثله باقي قادة الصهاينة!
بل إن الحركة الصهيونية قد ثبت تاريخيًا أنها قامت بعمليات إرهابية ضد اليهود في مناطق مختلفة من العالم لتخويفهم كي يهاجروا إلى أرض فلسطين! فهذه الحركة لا تتورع عن قتل اليهود أنفسهم لتحقيق مصالحها!
كما توجد تيارات يهودية بل وحاخامات يهود يعادون الحركة الصهيونية بشكل واضح، ويرون أنها لا تعبر عن اليهودية، ويدعون لزوال الكيان الصهيوني الغاصب، ويشاركون في مظاهرات ضده، من هذه الحركات حركة “ناطوري كارتا”.
مجلة المجتمع - حق اليهود التاريخي في فلسطين
سادسًا: إن الله لا يقرب الظلمة والمجرمين والفجرة منه، ولا يقوم باختيارهم وتفضيلهم على الناس، ولا يعطيهم أراضي الآخرين بلا حق ، وهذا أمر واضح بالعقل وفي النصوص الدينية السليمة.
فالوعد الإلهي مثلًا لنبي الله إبراهيم بالإمامة لا يشمل من ذريته الظالمين كما هو واضح في النصوص الدينية.
والله عز وجل لا يميز بين الناس بسبب نسبهم، ولا يوجد أبناء وأحباء لله يفضلهم على الجميع حتى لو ظلموا وطغوا، بل أقرب الناس لله أتقاهم وأصلحهم، وهذا معروف في كل دين.
وقد تم حرمان اليهود بشكل واضح من دخول أرض فلسطين مع سيدنا موسى عندما عصوا أمر الله، وكتب الله عليهم التيه أربعين سنة، فالوعد الإلهي مرتبط بطاعتهم لله.
فإن صح أن الله قد وعدهم بالأرض، فهذا الوعد موجه للصالحين العادلين، الذين يراعون أحكام الله ولا يعتدون على حقوق الآخرين، ومثل هذا الوعد متكرر في النصوص الدينية المختلفة، فقد وعد الله الصالحين أن يرثوا الأرض.
وورثة الأنبياء هم العلماء والصالحون كما هو واضح لكل ذي عقل ودين، وذرية نبي الله إبراهيم وإسحق الصالحة ليسوا بالضرورة يهودا الآن، فالرسالات الإلهية لم تنقطع بعد نبي الله موسى، واستمرت فيها الوعود الإلهية واضحة تخاطب الصالحين وتأمرهم بالعدل وعدم الظلم.
أخيرًا: من الناحية العقلية فالأرض بشكل عام حق لكل البشر، وهي حق بشكل خاص لمن يعمرها وينتفع بها، ولا يحق لغيره من أقرانه حرمانه من ذلك، فلا يطردوه، ولا يقتلوه، ولا يخيفوه، ولا يجبروه على بيعها أو تركها، ولا يضروه إذا رفض تركها، ولا يخدعوه لتركها.
وإذا أرادوا الحصول على الأرض فيجب أن يتم ذلك بالطرق المشروعة، مثل استصلاح الأرض البور، وشراء الأرض العامرة من أصحابها أو مبادلتها.
وكل هذا لم يراعه المحتلون الصهاينة، بل فعلوا عكس كل ما ذكرنا، فهم ظالمون قتلة سارقون ناهبون مخربون مفسدون معتدون، وهذا واضح لكل ذي عقل وبصيرة وإنسانية.
مغالطات وأكاذيب أخرى نرد عليها ..