جَلد العبد الهارب!
«جَلد العبد الهارب» Whipping of a Fugitive Slave لوحة ترجع لسنة 1843، للفنان الفرنسي «مارسيل فيرديه» Marcel Verdier (1817 – 1858) تحتفي بألم النفس والجسد لمن سقط في أصفاد العبودية، وتحتفي أيضًا بألم الوجود البشري على الأرض، وغباء الغرور الإنساني، ومأساة النزوع إلى الهيمنة، وكيف أن العبودية على مر العصور كانت وما زالت جريمة العبيد أكثر من كونها جريمة الأسياد!
في اللوحة تم تجريد العبد من ملابسه، وكذلك من طوق العبودية (طوق الأمان)، وربطه بأوتاد زُرعت في الأرض منكفئا على وجهه في ذُل ومهانة، بينما يقوم بجلده عبدٌ آخر مثله، يحرص على توطيد مكانة سيده وتنفيذ أوامره خوفًا أو طمعًا،
أما السيد فيقف مزهوًا، متكئا على مِرفقه، يُتابع تنفيذ عقوبته دون تلطيخ يديه بقذارة العبيد، وبجواره تجلس زوجته محتضنة ابنتها المُدللة، وأمامها على الأرض فتاة من الإماء تجلس مُلتمسة لرضاها، منتظرةً لأوامرها!
وتتدرج اللوحة في الإفصاح عن فلسفتها بمشهد العبد الصغير المُلقى إلى جوار الكلب (في الركن الأيسر من اللوحة) وبجواره الأصفاد تنتظره، بينما العبيد الآخرون منشغلون بإنجاز أعمال سيدهم بهمةٍ ولا مبالاة، ورغم كثرتهم وقدرتهم على تحرير أنفسهم، وامتداد السهول الخضراء من حولهم، إلا أنهم لا يُبدون أية رغبة في التحرر، أو إمكانية احتواء عيونهم لمتسعٍ من الأرض بخلاف ربوة قهرهم، أو حتى بوادر غضب إزاء ما يحدث لهم!
Whipping of a Fugitive Slave
Source: http://slaveryimages.org/images/collection/large/Image-2.JPG
تجسيد حي للواقع
ولا تخلو اللوحة من مشاهد أخرى ناطقة، منها مشهدٌ لعبدٍ مُقيد اليدين من الخلف تائه النظرات، يجر قدميه خاشعًا لتنفيذ عقوبة أخرى، ومشهد امرأته خلفه وقد اكتسى وجهها بالحزن فنكسته ألمًا، ومشهد وريقات خضراء تُطل من أعلى وكأنها تتساءل عما يقترفه الإنسان في حق أخيه وحق نفسه!
حين عُرضت اللوحة لأول مرة في صالون باريس سنة 1843، قوبلت بالرفض من قبل هيئة المُحكمين نظرًا لأن قسوة موضوعها تُمثل إهانة لسفراء الدول الاستعمارية في باريس، تلك الدول التي استباحت لعقودٍ طويلة كرامة الإنسان، لتبني مجدًا قبيحًا فوق أجساد العبيد، لكن اللوحة باتت أيقونة لفضح عبودية عالمنا الحديث.
يقول الشاعر العراقي أحمد مطر: «إن الاستعمار الواضح يشوهك دون أية ذريعة: إنه يمنعك من الكلام، يمنعك من الفعل، ويمنعك من الوجود. أما الاستعمار الخفي، فهو يقنعك، بأية طريقة، بأن العبودية هي قدرك، وأن العجز هو طبيعتك: إنه يقنعك بأن من غير الممكن أن تنطق، من غير الممكن أن تفعل، ومن غير الممكن أن توجد»!
تأمل اللوحة، وستجدها تجسيدًا حيًا لواقعنا، واقع تسلط السادة على العبيد، وتسلط العبيد على العبيد، وواقع الماضي والحاضر والمستقبل في مجتمعاتنا المقهورة، وإن اختلفت صورة العبد وصورة السيد، وليستغرقك مثلي السؤال: كيف أمكن لكل هؤلاء الناس أن يحتملوا قلة من الأسياد لا يملكون من السلطان إلا ما أعطوهم، ولا من القدرة على ذلك إلا بقدر احتمالهم الأذى منهم؟ إنه لأمر جلل حقًا، وأدعى إلى الألم منه إلى العجب!
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.