إصداراتمقالات

هى علة ناقصة

لكل شئ ممكن سبب.. مبدأ بديهي وقاعدة نتعامل بها كل يوم متسائلين عن أسباب ما يحيط بنا من أحداث ولأن الإنسان كائن بطبعه لا يحب الشك فهو دائما ما يبحث عن إجابة لأسئلته المتلاحقة ويعمل حثيثا للوصول إلى إجابات مقنعة ترضي عقله وتشبع رغبته في المعرفة.. وهو بذلك يختلف عن سائر مخلوقات الأرض فنحن لم نعرف أن لأي من الكائنات الحية الأخرى أي اجتهادات في تفسير الوجود أو الفلسفة أو التبحر في علوم الكيمياء والفيزياء إلى غير ذلك من بحر العلم الذي لا ينتهي فالإنسان حيوان مفكر أو كما يقول الحكماء حيوان ناطق.. أي أنه ينطق بما عقل وهي ميزة لن تجدها في أي من المخلوقات الأخرى في هذا الكون.. أليس كذلك؟!

ولأن الإنسان مفكر بطبعه كان من الطبيعي أن يبحث عن إجابة لسؤال وجودي مثل:من خلقنا؟!.. أو كيف جئنا إلى هنا ؟!.. من بعث بنا إلى هذه الحياة؟!.. وتباينت الردود والإجابات على هذه الأسئلة، فما بين من اعتقد بوجود الله ومن أنكره.. أتت نظرية التطور عند داروين لتكون واحدة من الإجابات العديدة للسؤال الأبرز.. كيف جئنا إلى هنا ؟!.. أو كيف بدأ هذا الكون؟!.. وعلى الرغم من قول داروين نفسه باللاأدرية إلا أن كل المتبنين لنظريات الإلحاد يأخذون من نظرية التطور أو الدارونية مرجعا لأفكارهم ومعتقداتهم.. لكن هذا ليس موضوع بحثنا اليوم وإنما هي معلومة عارضة على أصل هذا البحث البسيط .. لنبدأ الآن بعرض ما تم كتابة هذا البحث لأجل بيانه.. في عام 1859 تم إصدار كتاب داروين ” أصل الأنواع ” والذي شرح فيه وجهة نظره حول قانون التطور والانتخاب الطبيعي وقال أن كل الأشكال الحيوانية والنباتية الموجودة تنحدر من أشكال سابقة أكثر بدائية وأن هذا النشوء أو التطور هو نتاج لعملية الانتخاب الطبيعي.

وبغض النظر عن صحة النظرية على المستوى العلمي من عدمها فهذا شيء لن أخوض فيه فأنا في النهاية لست باحثا في مثل هذه المجالات من العلوم لكني سأتعرض إلى شيء آخر وهو القول بأن نظرية داروين قد نفت وجود الإله وهو غاية القادم من هذه السطور.

أصل السؤال المختلف على إجابته حتى الآن بين أطياف البشر هو ما هي علة هذا الكون.. أو ما هو سبب بداية هذا الكون.. لكن ما معنى كلمة علة أصلا ؟!.. لعل إجابة هذا السؤال قد تساعد في إيجاد صيغة أبسط للرد على السؤال السابق.. فكما قال الحكماء قديما أن هناك تقسيمات للعلل وأنواعها نبين منها ما يلي:

إن أنواع العلل أربعة .. أما هي علة فاعلة أو علة مادية أو علة صورية أو علة غائية أما العلة الفاعلة فهي العلة التي هي العامل المباشر في إحداث الأثر كالشاكوش مثلا بالنسبة للنجار المستخدم في صناعة الاثاث.. والعلة المادية هي المادة المستخدمة في صنع المعلول كالخشب مثلا في المثال السابق والعلة الصورية  وهو التصور المسبق عن شكل المعلول المراد.. والعلة الغائية و هي الغاية من المعلول.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سيطرأ الآن سؤال بذهنك الآن.. أين هو النجار إذن الذي صنع الأثاث.. يقول الحكماء أن ذلك هو العلة التامة الممتلكة لكل أسباب فعل الفعل.. والتي ينعدم لديها المانع من فعل الفعل.

بالعودة الآن إلى أصل البحث بعد الانتهاء من تعريف العلل.. الدارونية ومكانتها من كل هذا.. حقا قد تكون النظرية صحيحة ” رغم علمي بعكس ذلك فقد تم انتقاد النظرية في كثير من الأبحاث العلمية ” لكني قلت من البداية بعدم اهتمامي بتلك القضية.. و لكن قضيتنا هنا بحث طرح الدارونية كبديل عن الوجود الإلهي فهل هي حقا تغني عن وجود الله؟!.. أوضحنا أنواع العلل فيما سبق و نقول الآن أنه حتى وإن كانت النظرية صحيحة وأن الانتخاب الطبيعي قد حدث بالفعل ابتداءً من الخلية الحية الأولى وحتى يومنا هذا فإن الخلية الأولى لن تعدو كونها علة مادية وهي تعتبر واحدة فقط من العلل الأربعة المذكورة..فهي مفتقرة للكثير لكي تكون سببا في نشأة كون منظم ودقيق مثل كوننا هذا.. الذي ولابد في نهاية المطاف أن يكون قد خلق على يد سبب أول حكيم مريد قادر وهو الله عز وجل .. أما عن الدارونية فهي في أحسن الأحوال لن تكون إلا علة ناقصة .

مصادر :

الإشارات و التنبيهات.. ابن سينا

رواية عالم صوفي

تاريخ الفلسفة الحديثة .. دكتور/ يوسف كرم

 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة