إصداراتمقالات

ثم ماذا بعد الثورة ؟ اليأس أقوى أم الامل؟

عشنا جميعا تجربة الثورة المصرية فى الثلاث سنوات الأخيرة بحلوها ومرها بشهدائها ومصابيها وجرحاها ومعتقليها.عشناها كتجربة مصرية خالصة والتى ما لبثت أن ارتدت على عقبيها لكل ما يخالف أهداف الثورة فلا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية..فكان من الطبيعى أن يتسرب اليأس لقلوبنا..فيسكب المرء عبراته على حال المصريين – خاصة الشباب الذين كانوا بالفعل وقود الثورة وحارسهاحيث غلفتهم روح الانهزامية فأصبحوا صرعى الاكتئاب أو اليأس أو فكروا فى الهجرة للخارج للفرار من حلم لم يعد يرون فيه إلا أشواكا!

وإذا تاملنا الواقع من حولنا وجدنا بعض المشاهد التى تظهر الحال بين الشباب المصرى.

:

(1)

تذهب إلى غرفة النوم ليلا وتغمض عينيك محاولا النوم فتفكر مليا وتغير وضعية نومك فتطاردك هواجس تقف أمام مفاتيح نومك بالمرصاد!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تفكر فى المصاريف التى تحتاجها وكم من الأعوام ستضطر أن تعمل كى تستطيع أن تكون أسرة وزيجة وتتقن عملا يكون مصدرا لدخلك. تفكر فيما مضى من عمرك حتى الآن.

23 عاما …. نعم ..

لقد كبرت  حقا..لا تستطيع أن تنكر ذلك وإلا كنت غافلا غير مدركا للواقع. مسدلا ستارا من غبار وغشاوة على المشهد الذى تعيشه حتى لا تراه واضحا وضوح الشمس لأنه يؤلمك.

قال لى أحدهم ذات مرة:

بعد عدة محاولات غير بسيطة رزقنى الله بعمل يتناسب مع كليتى وأتقاضى عنه ألف جنيها شهريا.وبحسبة بسيطة إذا أردت الزواج فأقل شقة مناسبة للعيش ستتكلف 200 ألف مثلا. وإذا حلقت بخيالى خارج السرب وقلت إن هذا الرقم سيصل إلى 100ألف فقط .. كم من الوقت أحتاج كى أصل لهذا الرقم حوالى 100 شهر.

والعام  12 شهرا ولنفترض أنى سأقوم بادخار جميع الأموال ولن أصرف شيئا.

أحتاج أن أعمل ثمانية أعوام ونصف تقريبا كى أحصل على هذا المبلغ ثم ماذا؟هل أستطيع أن أحصل على مسكن حينها؟؟……

كلا بالطبع؛ فخلال هذه الأعوام الثمانية سيبلغ التضخم مداه، وسترتفع قيمة العقارات لتصبح نفس الشقة التى أحلم  بها كى تضمن لى زيجة مناسبة أو تجعل أهل العروس التى سأختاره ايوافقون علىَّ:سرابًا ألهث خلفه!

(2)

كل المبادىء التى تعلمتها وعشت تحلم بها وتنادى بها وتسعى لتطبيقها  تقترب من السراب و اليأس يملئ روحك .

لا عدل فى المجتمع.. لا مساواة.. لارحمة ..لا ضمير.. لا إيمان ..لا أخلاق..لا شىء.

تتذكر بعضا من تلك المشاهد:

فلان الذى تعرفه مات ولم تستطع زيارته..آه ثم آه ..كم اشتقت إليه وإلى ضحكاته وصراخه حينما كنا سويا..فلان الذى سمعت عنه ذبح أو قتل فلان اعتقل وفلان طورد وفلان هرب..

ومن ثم تتجرع مرارة اليأس فى حلقك!

خرج  بعض الناس طيلة ثلاثة أعوام بذلوا كل الجهد فيها ونادوا بالحياة الكريمة من أجل هذا الشعب فما نالوا غير القتل والتعذيب والاضطهاد والتخوين والاعتقالات فما كان لسان حالالكثير منهم إلا أن قالوا:

” والله إنك لأحب بلاد الأرض إلى قلبى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت “.

فتتسربل حينها بلباس اليأس!

أحدهم عاش يحلم بالرحمة يحلم أن يتراحم المجتمعوأن يكون رحيما ونذر نفسه للعمل الأهلى يعمل على إغاثة الملهوفين إلى أن تم إغلاق المكان الذى يعمل به وتجميد أرصدته بدعوى الحرب على الإرهاب.

ويرى كل يوم من كان يغيثهم وهم فى حسرة حيارى.

حتى يد العون التى كان يقدمها وإن كان هو فى أمس الحاجة ليد عون ليحيا حياة كريمة افتقدها فى ظل تلك المعترك الشرس لرحى تلك الأحداث التى تعصف بأحلام الكثيرين!

فقد الشعور بالوجود..فقد الشعور بالقدرة على فعل شىء يضيف للواقع ولو مشهدا صغيرا أفضل.

لا  شىءالآن.

فخامَرَه شعور باليأس أفقده القدرة على توظيف عقله لتخطى ما يعتصر فؤاده من آلام ليزرع الأمل فى سويداء قلب أمته!

ثم ماذا بعد اليأس ؟ ولماذا؟وما العمل؟

اليأس فى اللغة هو:القـُنوط، وقيل نقيض الرجاء، يَئِسَ من الشيء يَيْأَس ويَيْئِس

وإذا تأملنا كيفية تغيير الواقع وعلى من تقع التبعات والمسؤوليات فيجب علينا أن نعطى اهتمامنا بتشريح المجتمعات ثم نصنف أنفسنا جيدا وندرك مدى قدرتنا وإمكانياتنا فسنجد أن المجتمعات تنقسم إلى طبقات منهم المطحونين الذين يرزحون تحت خط الفقر .. حيث يبدو الواقع بائسا مزريا فى كل حال ..هؤلاء  المطحونين لستَ منهم.

لأنك غالبا تقرأ كلامى الآن وتجلس فى مكان ما ( لديك مسكن ) ولديك اشتراك يتيح لك الاتصال بشبكة المعلومات العالمية ولديك هاتف ذكى أو كمبيوتر أو كمبيوتر محمول.

هؤلاء -نحمد الله أنك لست منهم سيظلون هكذا- للأسف- طيلة اليوم فى هذا الواقع إلى أن يتغيرَالنظام.

سيظلون هكذا طالما صراع الدول على خيرات الشعوب يظلكما هو فيظل السيد سيداويظل العبد عبدا ويتم طحن هؤلاء فى ماكينات هذا الصراع .. ومن ثم ليست المقالة موجهة لهم.. فلن يقرؤوها أصلا.

ولكن ..من عندهم الحد الأدنى للاستمرار فى الحياة على هذا الكوكب.. إن ظلوا مشغولين بأنفسهم فقط ..كل يقول:

” أنا ومن بعدي الطوفان “

فلن يتغير شىء .. يبقى العبد عبدا والسيد سيدا.. يبقى الملوك ملوكا والعراة عراة والحفاة حفاة..

إذا كان لديك حد أدنى للحياة وعندك مسكن وعندك ما يقيم جسدك من الطعام.

فأنت فى نعمة لا يشعر بها الكثيرون..ليس فى مصر فقط ولكن على مستوى العالم.

أنت تستطيع أن تحيا لنفسك وفقط ..ستحصل على بيت ووظيفة وزيجة وسيارة مثلا أو قد تموت وأنت فى هذه الرحلة قبل أن تحصل على السيارة التى تحلم بها.

ولكن ماذا أضفت للواقع فى فترة رحلتك القصيرة قبل أن تموت.

هل تعلمت شيئا وعلمته غيرك مثلا؟ فقد يساعد هذا الشىء فى تغيير الحال.

هل ساعدت غيرك كى يخرج من هذه المنظومة الطاحنة؟ والكثير من الاسئلة التى تحرك دفة شعورك لتولد الطاقات الكامنة داخلك لتدشن بها الخطوات الأولى على تبوأ أمتنا سلم المجد الذى ستحلق فى عليائه يوما ما ليستلهم منها الآخرون فيوضات المعرفة.

الحقيقة أنه إذا انشغلت أنا بحالى وأنت بحالك وكل بحاله.فسيبقى الوضع كماهو !

ألهينا بالتكاثر حتى زرنا المقابر.  لم ندرك أننا بمقدورنا إضافة شىء ما  للواقع.

انشغلنا وتغافلنا فنسينا وتناسينا فأخزينا.ولبثنا فى السنوات العجاف سنين وسنين

لقد رضينا أن ننخرط فى كهف اليأس الذى سددنا كل منافذه حتى لا نرى أى بارقة للأمل!

إن التقدير السليم لواقع الحياة من حولنا لن يأتى إذا لم  ننعزل لبرهة فكريا عن الحياة من حولنا فكل يوم نستيقظ فيه يبادرنا مشهد بسيط فى حياة فرد  بسيط كان  أو ذو منصب هام إلا أنه – فى الأغلب – لا يغير من مجرى الأحداث على سطح هذا الكوكب شيئا.

فحينما تستيقظ وأنت بنفس القناعة ونفس العلم ونفس كل شىءوتتخذ قرارا بأن تعمل لدى هذه الشركة أو تلك مما يزيد مرتبها عن الأخرى بـ100 جنيه مثلا فهذا  لن يغير  شيئا من إدراكك للحياة، ولن يغير شيئا من واقع الحياة علىا لكوكب؛ حيث ستظل الدولة مثلا مدينة لغيرها، وستظل دولتك من العالم الثالث ! وسنظل من عبيد الخزى والعار لتراكمات زمنية سبقت اللحظة التى لفظتنا فيها أرحام امهاتنا. لم نشارك فى شىء قبلها،ولم نكن مسؤولين حينها،أما بعدها: فقد تغير الأمر!

والحل أنه يجب عليك أن تدرك ما نحن بصدده على سطح هذا الكوكب.

أن تدرك جيدا الواقع  وكيفية تغيير الواقع ..هل هو سهل أم صعب؟ كيف يكون؟ ولماذا؟ وأين؟ ومتى؟ وبمن؟

أن تدرك أنه لديك حياة واحدة فقط وفرصة واحدة فقط فى الوجود المادى إما أن تنفقها فى دورة الحياة التقليدية من عمل وزواج وإنجاب ثم موت ويلهيك التكاثر!

أو أن تبحث عن الحق والحقيقة وتتقفى أثرهما على سطح هذا الكوكب  حتى  يسود العدل يوما ما: إن لم يكن فى حياتك، فبعد مماتك. لكن يكفيك شرفا أنك عشت، وكنت جزءا ممن غرسوا تلك البذور.

لا أقول إما هذه أو تلك ..ولكن إن كنت مشغولا بالثانية فستكيف الأولى عليها.

لن تتزوج مثلا امرأة مادية لا تحب غير المادة واكتناز الأموال ولا تفهم معنى البحث عن كيفية إطعام الفقراء وانتشالهم من هذا البؤس والسعى من أجل ذلك سنينا وسنينا.

سيظل حلمك بتغيير الواقع – حتى بعد موتك-وقودا لك..دافعا لك ..اقرأ وتعلم فى وقت فراغك.

اختر زيجة صحيحة ..علم أبناءك أن يتبعوا الحق ويحيوا من أجله وفقط.

فحياتك قد تحيا فيها لذاتك وفقط ولا أحد ينكر عظم المهام وصعوبة الموقف الذى أنت فيه. ولكن لستَ وحدك الذى بلغت بك الظروف مداها صعوبة وتخطيتها.

.الحياة والتجارب والاستقصاءات تثبت أن الواقع يتغير. وأن ما هو كائن الآن سيصير حتما ماضيا وأن كم الفترات التاريخية والنكبات التى لحقت بمختلف الأمم ما لبثت أن كانت وقودا وشرارة للانطلاق والنهوض من بعد السقوط.

ويخط القلم آخر نبضات تلك السنوات الثلاث:

فبعد أن مرت تجرية الثلاث سنوات من الثورة؛ ليسقط رأس النظام مؤقتا، ثم يعود النظام الداخلى بأكمله من جديد بصورة أكثر ضراوة وشراسة وبمباركة شعبية لتمثل القشة التى قصمت  ظهر البعير..

فكل من كان يصبر ويحتسب غياب العدالة والحد الأدنى من الحقوق الإنسانية؛ أملا فى تغيير الواقع من خلال الثورة التى صرعه يأسه وتشاؤمه الآن بعد أن انطفأ بريق الثورة فى ظل المحاولات المستعرة للمتربصين بها لمحو أى أثر حسن خلفته فى الأذهان!

ومن ثم يتبادر السؤال: ما هو الحل من بين ركام تلك الانكسارات؟

الحل فى الأمل والذى هو نقيض اليأس .. الحل فى إدراكنا للأمور وتقييمها تقييما صحيحا ووضعها فى موضعها الصحيح..الحل  أن نعلم لماذا فشلت الثورة؟وهل يسبق الغضبُ الوعىَ، أم العكس؟

الحل  أن نفهم أن ديناميكية تغيير الواقع ليست سهلة وليست بين عشية وضحاها؟وأن كم التضحيات بما هو غال ونفيس سيتجاوز ما نشعر به حتى الآن.

الحل أن نعلم أكثر ونفهم ما هو النظام؟ سواء النظام العالمى الجديد الذى يحكم هذا الكوكب أو النظام الذى يحكم مصر؟

من هم أعداؤنا؟ من هم أعداء الإنسانية بأسرها؟من المستفيدين من أن يبقى الجائع جائعا فى الصومال؟وأن تظل الدول فى اقتتال أهلى، فيمدونهم بالغذاء تارة، وبالسلاح تارة؛ كى يقتتلوا أكثر وأكثر ثم يمدونهم بالدواء!!

وفي كل مدد..أرقام حساباتهم تزداد. وكيف نعد العدة لهم وكيف ننتصر عليهم؟

ما هى أيديولوجية اتخاذ القراررات المثلى؟

وتتدافع الكثير من الأسئلة تترى

حتما سيستمر كدحنا اليومى من أجل القوت ولكن شتان بين من يكدح وهو يعلم حقيقة الأمر وحقيقة الواقع وأنه ترس فى ماكينة تدور ويسعى نحو خطى ملموسة قد تؤثر فى تغيير ما هو كائن.وتؤثر فى تغيير ما هو واقع حتى لو بأقل القليل وبين من لا  يرى المنظر من أعلى حيث يستيقظ كل يوم ليكرر نفس الشىء بنفس الأسلوب.

عمل..زواج  ..إنجاب  ..موت .

دون أن يتعلم أو يعلم غيره:ماذا حدث؟ ولماذا؟ وكيف نستطيع أن نغير الواقع؟

 { إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }. [يوسف:87]

لماذا قالالله – تعالى -ذلك؟ لا أعلم

أظن أنه إذا كنت مؤمنا بوجود خالقا  لهذا الكون ..ووصلت (يائسا) ليقين بأنه لا قدرة لنا على تغيير الواقع.فأنت سلبت عنه صفة القدرة بداخلك أنت!

أنت كفرت بأنه قادر.وسلبت عن حياة الإنسان قيمة الأمل والوصول للهدف وكأن الكون كله عبثيا.

حاشا لله

 

الله قال فى كتابه الحكيم  فى موضع آيات الانتصار:

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّه سورة الروم الآية       

﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ سورة آل عمران الآية126.

﴿إِن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِى يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾سورة آل عمران الآية 160

﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾سورة آل عمران الآية  13

﴿وَمَا تَوْفِيقِى إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ سورة هود الآية 88   

فإذا كان الله قادرا فقد خلق الله نظاما حكيما  يقتضى الأخذ بالأسباب.

فلن يتغير الواقع بدون عملك أنت.

فلا تكفر بالأمل..فتكفر بقدرة الله.

لا تيأس

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

حازم خالد

طبيب امتياز – كلية الطب جامعة المنصورة
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة