سارق ومسروق – الوجه الخامس عشر
أربعون وجها للص واحد "متتالية قصصية"
لم يبق السارق على الإيصال الذي تسلمه من صراف البنك إثر إيداع ما سرقه، وظن أنه حق له، بل احتفظ بورقة نقود من فئة المائتين جنيه، وكتب عليها:
“إلى ذكرى انتصاري في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 2019”.
في الملف نفسه وجد الورقة على حالها، في مظروف نظيف، خلف الإيصال الذي كان لا يزال موجودا رغم أنه مزقه وتأكد من هذا. أغمض عينيه حتى لا يرى هذا الإيصال. دفعه سريعا، وتناول المظروف، وقال لنفسه وهو يحدق في ورقة النقود: “أعتقد أن النظر إلى هذه لا يقلق أبدا”.
وشرد في وجه الورقة ، المكتوب فوق قيمتها اسم “البنك المركزي المصري”، وأمعن النظر في صورة المسجد المرسوم على صفحتها. هو يعرف أنه مسجد بناه قايتباي الرماح، الذي هو أحد أمراء المملوكي قايتباي أيضا، وأن أول صلاة قامت فيه سنة 1503 م. هذا ما سمعه ذات يوم من زميل له كان يقطن إلى جانب هذا المسجد القديم.
وجد نفسه في هذا اللحظة وكأنه يدخل من الباب الذي يقع أسفل يسار المئذنة، ويتقدم نحو المنبر، ويجلس تحته، ويرفع وجهه إلى المحراب، ويقول ألف ألف مرة: “أنا رجل شريف.. لم أسرق أحدا”.
قلب الورقة ليأتي بتمثال الكاتب المرسوم على ظهرها كي يشهد على ما يقوله في صحن المسجد، لكن فجأة تملكه نفور منه، وتعجب من قدماء المصريين الذين كانوا يحرصون على أن يصوروا أنفسهم على شواهد قبورهم وهم جالسون في استعداد للكتابة أو القراءة، فهو يفر من القراءة إلى أقصى الأرض.
لهذا رمق صورة الكاتب بطرف خفي، ناظرا إلى الطيور الصغيرة الواقفة في مستطيل أخضر باهت يطل على ركبة هذا الكاتب، الذي كان ينظر إلى مهمته في تلك الأيام الغابرة على أنها أرقى المهن أو المهام.
حين نظر إلى الكاتب، لم يجد وجهه الذي كان، ذلك المرسوم على كل الأوراق المطبوعة من هذه الفئة، إنما كان وجه المسروق يحط فوق التمثال الذي جلس متربعا، بعضلاته البارزة، واستوائه الواضح، متحديا النسيان.
اقرأ أيضاً:
الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، الوجه الرابع، الوجه الخامس
الوجه السادس، الوجه السابع، الوجه الثامن، الوجه التاسع ،الوجه العاشر.
الوجه الحادي عشر، الوجه الثاني عشر ، الوجه الثالث عشر، الوجه الرابع عشر
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.