المعطف.. قصة وطن!!
«المعطف» The Overcoat، رواية قصيرة للأديب الروسي «نيكولاي جوجول» Nikolai Gogol (1809 – 1852)، نشرها باللغة الروسية سنة 1842 باسم «شينيل Shinel»، وهي الرواية الأكثر شهرة والأكثر تأثيرا في الأدب الروسي، وأساس الواقعية الروسية في القرن التاسع عشر.
عن الرواية
تحكي الرواية ببساطة قصة «أكاكي أكاكيفيتش باشماشكين» Akaky Akakiyevich Bashmachkin، فقير روسي، يعمل كاتبا مُهمشا ومُهملا ومحط سخرية الجميع في إحدى الإدارات الحكومية.
لم يكن رؤساء الإدارة، وحتى حُراسها، يولونه أي اعتبار رغم كثرة ما يكلفونه به من أعمال، ولم يكن بدوره يعبأ بهم، وبغض النظر عن عدد المديرين الذين جاءوا وذهبوا، كان من الممكن رؤيته دائما في المكان ذاته تماما، جالسا في الوضع ذاته بالضبط، يقوم بالعمل ذاته بدقة، حتى لقد اعتقد الجميع أنه جاء إلى هذا العالم مجهزا بالفعل لوظيفته، بصلعته ومعطفه الذي أكل عليه الدهر وشرب!
كان يعمل صامتا بصدق، ويعشق النسخ حتى ليبدو وكأنه متعبد في محاريب الحروف والكلمات، كان قانعا بالأربعمائة روبل التي يتقاضاها سنويا، يأكل منها ويشرب ويسكن ويواجه متطلبات الحياة في هدوء وصبر.
لم يُفكر يوما في تغيير معطفه الرث المهترئ، وكلما تمزق المعطف أو انفتق منه جانب ذهب به إلى الخياط لرتقه أو ترقيعه، إلى أن أصبح المعطف من فَرْط تهلهله عصيا على الإصلاح والرَّتق، ومع هذا كان مُصرا على إصلاحه، لكن الخياط رفض في النهاية حتى مجرد لمسه، مقترحا على «أكاكي» أنْ يصنع له معطفا جديدا.
معطف جديد
هنا جُن جنونه؛ لقد فقد معطفه القدرة على مواجهة سياط البرد الروسي القاتل، وليس معه من المال ما يكفي! راحت عينه تطوف بالأشياء من حوله دون أن يراها بوضوح، حتى صورة الجنرال المُلصقة على صندوق الدعم الذي حظي به ذات يوم حين أدلى بصوته في انتخابات المدينة! فكر وتساءل: ألا يستحق معطف من الصوف ببطانة سميكة من القطن مزيدا من الحرمان؟! وأجاب في صمت: نعم! قرر الامتناع عن تناول العشاء والاستغناء عن إشعال شمعة تبدد ظلام ليله، ولا غرو، فشبع الفكرة يُبدد جوع البطن!
ظل لعدة أشهر يذهب يوميا بعد انتهاء عمله إلى الأسواق لتفقد أسعار القماش، إلى أن تمكن من توفير المبلغ المطلوب وتحقيق أمنيته بعد طول تقتير، ها هو أخيرا يرتدي معطفا جديدا، وها هو يسير في الشارع في أشد مشاعره ابتهاجا واحتفالا؛ معطف جديد صُنع بحرفية بالغة، يحمل الدفء إلى جسده الهزيل!
الوطن هو ألا يحدث ذلك كله
إنه الحُلم الذي يشغل كل فقير، وكل بائس، وكل مهموم بمواجهة أمواج الحياة العاتية! وذات لحظة فارقة من حياته البائسة اختطف اللصوص معطفه، انقضوا عليه في ظلام الليل وسكونه بينما كان عائدا إلى بيته، ركلوه فسقط مرتطما بالثلج فاقدا للوعي، وبعد بضع دقائق أفاق واستوى على قدميه، لكن أحدا لم يعد موجودا.
شعر ببرودة تسري في جسده، وراح يصرخ ويصرخ ويصرخ، لكن هيهات أن يبلغ صوته منقذا! نهض متحاملا على نفسه، وراح يجري هائما دون أن يكف عن الصراخ.. لتخرج روحه بصرخة مدوية! مات الفقير ودُفن كأي نكرة أو حشرة في المجتمع، اختفى وغاب ذلك المخلوق الذي لم يكن له من يحميه أو يحنو عليه، والذي لم يكن عزيزا على أحد، ولا شيقا بالنسبة لأحد!
أتعرفون ما هو الوطن.. الوطن هو ألا يحدث ذلك كله!