في ختام بحثنا يبقى السؤال الأهم وهو كيفية توجيه الإرادة الإنسانية نحو طريق التكامل، في ظل التنازع في الحياة المادية، بالرغم من تأكيدنا على وجود بذور هذا التكامل داخل الإنسان إلا أن الغالبية لا تستطيع السير لإكمال الطريق للوصول للهدف النهائي.
كيف نستطيع أن نحقق المقدمات اللازمة لتوفير الإرادة الجدية للوصول لهذا الهدف النهائي؟
يمتلك الإنسان ميزتين أساسيتين ( حركته الإرادية وإدراكه ) فبعض هذه الدوافع مرتبطة بالبدن مثل الميل للأكل والشرب وهي تثار عند احتياج البدن لها، وهناك مجموعة من الدوافع المرتبطه ببعض الغرائز والعواطف وحب الاطلاع والبحث ومعرفة المجهول، كذلك الميل نحو الجمال والكمال الظاهري منها والمعنوي.
وقد اعتبر البعض أن حب الذات هي أم هذه الغرائز والتي يمكن تقسيمها إلى حفظ الوجود والحصول على الكمالات ، ونجد أن حصول أي ميل يكون مسبوق بإحساس خاص به، كذلك نجد تأثير بعض الإدراكات في تحريك الميل والإرادة أو النفور والبعد.
وإن تأثير بعض هذه الأمور واضح جدا بحث يظن الإنسان بوجود علاقة طبيعية مع تحريك الميل نحو شيء ما مثل بعض الروائح والإحساس بالجوع على سبيل المثال.
لذلك نجد أن معرفة مثل هذه الروابط لها دور كبير في تحقيق هدفنا للوصول للتكامل الإنساني ، فبعض المواقف والكلمات قد يكون لها تأثير عجيب على الإنسان، لذلك نجد أن دور الإدراكات الحسية مهم جدا أن يكون محل نظر وملاحظة من طرفنا لما له من دور مؤثر في تحريك الميول والرغبات.
كذلك تخيلاتنا وأفكارنا لها بالغ الأثر في صدور الأفعال الإرادية لكلا منا، لذلك نحن كأفراد نملك حرية الاستفادة من القوى والوسائل المختلفة المحيطة بنا خارجيا أو تلك الموجودة بداخلنا، فعندما يتركز انتباهنا على شيء قد لا نشعر بأغلب ما يحيط بنا من مؤثرات وهذا إن دل فهو يدل على أن النفس إذا توجهت حصل الإدراك ، أما الانفعالات المادية فهي تشكل شرائط الإدراك ومقدماته، كذلك نجد أن التوجه وعدمه في كثير من الأحيان يرتبط بالميل والشوق الباطني للإنسان.
وعلى هذا نجد أن الإنسان متى ما استطاع إدارة عملية الميل ودوام التحكم من متطلباته كان ذلك مقدمة تجلب توجه النفس نحو الكمالات الحقيقية التي جعلها محل تفكير وتوجهه العقلي والنفسي، لذلك نجد أن الاستثمار الصحيح للقوى الإدراكية يكون سهلًا يسيرًا كلما استطاع الإنسان السيطرة وتطهير القلب من قبائح الصفات وتجنب قبائح الأعمال .
وهنا نجد الإنسان العاقل في حالة وجود ميول متعددة ولم يتيسر له إشباعها جميعا فيقع التزاحم؛ وعندئذ تسيطر على النفس الميول ذات الجاذبية الأكبر التي هي محل تفكير وتوجه دائم من الإنسان ليقوم بإشباعها أولا وإن جاز لنا هذا المعنى فإن اختيار الإنسان في هذه الحياة الدنيا يكون في هذا الجانب من التزاحم حيث يظهر اختياره الحر ويحدد مكانته الحقيقية.
فهل نقف متفرجين في هذا التزاحم في عالم الوجود وتؤثر فينا العوامل الخارجية دون أي رد فعل منا؟! أم نكون أصحاب المبادرة والاختيار الحر النابع من تشخيص سليم باللذة الحقيقية والسعادة الدائمة؟!
بكل تأكيد يجب أن نكون غير متفرجين في مقابل العوامل المحيطة بنا سواء الاجتماعية أو الاقتصادية وغيرها ، بل يجب أن نمارس دور المُوجِّه لتلك الظروف كلا على قدر طاقته التي ستزيد يوما بعد الآخر وبالتدريج الذي يضمن لاستمرار لتحقيق الهدف النهائي المطلوب بعقول واعية وقلوب مطمئنة مرتبطة بواجد هذا الوجود وخالقه؛ فهو المدبر العادل الحكيم .