سارق ومسروق – الوجه الحادي عشر
أربعون وجها للص واحد "متتالية قصصية"
أراد اللص أن يستيقن من قدرته على الاعتراف. إنه أمر لم يفعله أبدا من قبل، ولم يكن يعتقد أنه سيذهب ذات يوم في طريقه، بل لم يخطر على باله أن يجد نفسه بحاجة إلى استعمال هذه الكلمة، أو حتى الانشغال بها.
فكر في طريقة للتغلب على ما يعاني منه، فأغمض عينيه، واستدعى صورة المسروق، وراح يحدثه بصوت خفيض. لم يكن يريد أن يكون صوته هكذا، لكنه كان كلما همَّ أن يرفعه وجد شيئا يسحب حنجرته لتسقط بين رئتيه، فتنحبس أنفاسه، وتخرج حروفه متقطعة، ويجاهد كي يصل بين الحرف وأخيه حتى تستوي كلمات مفهومة.
هز رأسه في عنف وسأل نفسه: “ما الذي أصابني؟”
وجد أن عليه استدعاء أيام فتوته، حين كان هناك حيث الساحة التي يتناثر على جنباتها وفي منتصفها آدميون ينكسرون في زي واحد بلون ما تدب عليه أقدامهم. يصرخ فيهم، فيأتونه هرولة. يشير بطرف إصبعه إلى أي منهم فيعلق عينيه بالإصبع الممدود، وكله أمل ألا يخطئ أي اتجاه يرمي.
“ما الذي جرى إذن؟!” سأل السارق نفسه، ولم تستعص عليه الإجابة:
“المسروق فارق الشباب منذ سنوات طويلة، ولم يذهب ذات يوم إلى هذا الخلاء، وهو يتخبط في زي مستعار، وليس له من مهمة سوى أن يؤمر فيطيع”.
كأنه سمع أحدا يقول هذا في أذنه، لكن برق في رأسه ما اعتبره الصواب، وقال لنفسه: “ربما لأن المسروق لم يذهب إلى حيث كنت أنا أيام شموخي، فهو لا يعرف شيئا عن غضبي وجبروتي”.
وفكر مليَّا في الذي سمعه من زميله الذي صار بعد تسريحه رئيس مجلس إدارة شركة جديدة، حين قال له: “هذه أيامنا”.
وتساءل: “إذا كانت هي أيامنا حقا، فما الذي يجعلني أرتجف هكذا، كلما لمحت صورة المسروق تزيح صورتي من وسط كل البراويز؟”.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
اقرأ أيضاً:
الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، الوجه الرابع