قضايا وجودية - مقالاتمقالات

معرفة النفس – الميول الفطرية

القدرة والحب واللذة

للإنسان الكثير من الغرائز والميول والأحاسيس المختلفة، لكن بالتركيز والتأمل في أهم الميول الفطرية والغرائز لدى الإنسان، والبحث فيها والنظر في النشاطات المختلفة التي يقوم بها الإنسان لإشباعها في الظروف والمراحل المختلفة، قد نكتشف السبيل الأمثل لمعرفة التكامل الحقيقي والهدف النهائي للإنسان دون التعقيدات المختلفة؛ فالميول الفطرية من أشد القوي الموجودة لدى الإنسان والتي لا شك لها دور أساسي في أن ينطلق منها الإنسان في تحركه وسعيه نحو تكامله.

مظاهر الميول الفطرية

للإنسان ميل فطري للمعرفة منذ بداية خلقة؛ حيث يبدأ هذا الإدراك بالاستعانة بالحواس، وكلما أُضيفت إلى الإنسان معارف ومعلومات طرحت أمامه مجهولات وتساؤلات أكثر، فهذا البحث عن المعرفة ملازم للإنسان دوما، إلا أن الإدراك الحسي ناقص وغير كاف لإشباع الميل الفطري للمعرفة لدى الإنسان، لذلك نجد ما يعين الإنسان على المزيد من المعرفة وذلك بامتلاكه المزيد من القوى المدركة بخلاف الحس.

كل تلك الرغبة في المعرفة لا تنفك عن رغبة الإنسان في القدرة والسيطرة؛ فتلك الرغبة في القدرة من الميول الفطرية لدى كل إنسان، وهي تختلف باختلاف وتفاوت الإدراك لدى كل فرد، فمنها القبيح ومنها الحسن. فمن تسخير قوى الطبيعة للاختراعات العلمية تظهر بوضوح تلك الرغبة، كما نجد في استعمار الشعوب والسيطرة على بني البشر مظهر آخر لتلك الرغبة الفطرية .

وبالنظر لأحد أهم الميول الفطرية الأخرى لدى الإنسان؛ يوجد ميل يتضح لنا ارتباطه الوثيق بالمعرفة والقدرة، وهو ذلك الميل للتجاذب والاتصال بين البشر بعضهم البعض، وما نشاهده من حب الأم وحنانها لهو من أهم مظاهر هذا الميل الفطري لدى الإنسان، وعلى غرار هذا الحب نجد أيضا العلاقة وروابط الحب بين الابن تجاه أبويه وغيرها من مظاهر التجاذب والاتصال فيما بين فئات مختلفة ومتنوعة من البشر،

وعلى هذا نلاحظ أيضا الميل الإنساني لأنماط الجمال المختلفة، غير أن مظاهر الحب المختلفة وهذا الميل الفطري إنما يتجه نحو حب متأجج لمحبوب كامل جميل يحمل كل الصفات الجمالية التي يعيشها الإنسان.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اللذة الأصلية

كل هذه الميول الفطرية السابق ذكرها يمكن أن يفهم منها الرغبة القوية لدى الإنسان في تحقيق اللذة والراحة والسعادة ويهرب من الألم والشقاء؛ فحياة الإنسان باستمرار وجوده مرتبطة بهذا السعي، وما يحدث من اختلاف التصرف بين الأفراد في ترجيح بعض اللذات وتحمل بعض الآلام فهو من نتاج اختلافهم في التشخيص .

فإن التكامل الإنساني يعتبر في آخر المراتب التي يمتلك الإنسان القدرة على الوصول إليها، وما الكمالات الأخرى إلا مقدمات لهذا الكمال الإنساني المطلوب، فطلب الإنسان الحقيقي هو الكمال، وما الأشياء الأخرى إلا فروع تتبع مقدار أثرها في حصول هذا الكمال.

فمعرفة الكمال الحقيقي تستلزم معرفة اللذة الأصلية ، وحتى يصل الإنسان لتلك المعرفة ينبغي التأمل في حقيقة اللذة وسبب اختلافها وهنا يجب التأمل في أن اللذة التي تحصل له إما نابعة من وجوده كاللذة الحاصلة له على سبيل المثال في حالة نجاته من حادث مميت، أو أن تكون حادثة له من كماله أو من الموجودات التي يحتاج إليها ويرتبط بها على نحو ما.

فإذا استطاع الإنسان أن يصل لحقيقة وجوده وارتباطه وتعلقه بموجود ينتهي إليه كل الارتباط والتعلق؛ موجود قادر عالم حكيم بحيث يكون ارتباط الإنسان به مغنيا عن أي شيء تحقق له اللذة والاستقلالية الموجبة للسعادة والحب والقدرة.

وهنا يطرح سؤال نفسه هل يمكن تحقق هذا الارتباط؟!

وهذا ما سيتم الإجابة عنه في المقال القادم.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

إنسان اللذة والهروب من الألم

مفهوم السعادة في الفكر الفلسفي اليوناني