الفن الشرقي وتجسيد الأنبياء – الجزء الأول
الفن الشرقي يختلف عن الفن الغربي في تناوله لشخصيات الأنبياء؛ فالفن هو المعبر عن الفكر السائد في المجتمع ينعكس على صفحته ثقافة وشعور الناس.
فالفن الشرقى على سبيل المثال قديما صوّر النبي الكريم في رسومات وهو جالس ومن حوله الصحابة يعلمهم أمور دينهم ودنياهم وصُوّر وجه النبي الشريف بملامح أسيوية. وتقريبا الصورة تعود إلى فترة الإمبراطورية المغولية في الهند، وكذلك توجد صور للنبي والصحابة تُصورهم وهم يحاربون في المعارك الأولى في مرحلة فجر الإسلام .
وتوجد أيضًا صور للمسيح وأمّه العذراء مريم عليهما السلام؛ تناولها الفن من ناحية الرسم فنجد صورة المسيح وأمه مريم ببشرة سمراء عندما ترسم صورتهما في أفريقيا، ونجد لهما صورة بملامح أسيوية عندما ترسم صورتهما في بلد أسيوي، ونجد شكل المسيح بملامح أوروبية بعيون زرقاء وشعر أصفر عندما ترسم صورته في بلد أوروبي.
الأمر الذي استرعى نظر “مالكوم إكس” المناضل الأمريكي من أصل أفريقي مبينا أن المسيح ولد في فلسطين في قارة آسيا؛ فكيف يكون له ملامح أوروبية بشعر أشقر وعيون خُضر؟ ولكن ثقافة المجتمع يا مالكوم لها اليد الطولى على الفن وتؤثر فيه.
الفن الشرقي والأنبياء
للأنبياء في ثقافة الشرقيين مكانة سامقة عالية لا يدانيهم من البشر في الفخار سواهم؛ ذلك لظهور الأديان السماوية وولادة الأنبياء في الشرق. وكان أول من أظهر الأنبياء في الرسومات القديمة كان في الشرق.
هذا بالنسبة للرسم أما التصوير السينمائي فكان الفنان “يوسف وهبي” أول من حاول تجسيد شخصية النبي الكريم في فيلم من إنتاج تركي بإيعاز من الزعيم التركي وقتها “مصطفى كمال أتاتورك” وكان ذلك في عام 1926م وحدث قبل الشروع في تمثيل الفيلم.
تسربت صور ليوسف وهبي وهو يقوم بالبروفات وكانت ملامح الشخصية تشبه “راسبوتين” ذلك القس الدجال الذي عاش زمن الإمبراطورية الروسية في عهد قيصر روسيا “نيقولا الثاني” من أسرة رومانوف عندها انقلبت عليه الدنيا وواجه معارضة شديدة حتى من داخل الوسط الفني نفسه وتبرأت منه عائلته متهمة إياه بالجنون.
وطلب الأزهر الشريف من الملك فؤاد منعه من تصوير الفيلم، وبالفعل هدده الملك بسحب الجنسية المصرية منه إذا لم يتراجع عن تصوير الفيلم، وخرج “يوسف وهبي” ببيان قائلا أنه لم يفكر في تصوير الفيلم إلا للدفاع عن النبي وإظهار صحيح سيرته وأنه إذا لم يمثله سيمثل آخرون فيلما آخر في هوليوود فيه إساءة للنبي، ولكن إذا كان الجميع يرى أنه من المصلحة عدم تمثيل الفيلم؛ فأنا أنزل على رغبة الجميع، وبالفعل اعتذر عن تمثيله.
فيلم المهاجر
فيلم “المهاجر” للمخرج “يوسف شاهين” والذي أثار ضجة كبيرة لاعتراض الأزهر الشريف على هذا الفيلم مُبيِّنا أن الشخصية التي يقدمها “يوسف شاهين” هى شخصية النبي يوسف فقصة الفيلم مشابهة لحد كبير بقصة نبي الله يوسف إلا إنها مقدمة بشكل لا يليق بشخصية هذا النبي الكريم.
كان لهذا العمل صدى وكان في مواجهته ردة فعل تتناسب مع مجتمع شرقي يحفظ للأنبياء مكانتهم لا تكاد ترى ذلك في المجتمع الغربي الملتحف بحرية الرأي والتعبير .
وإلى جانب الأعمال السينمائية؛ نجد أعمالا تلفزيونية كمسلسل مريم المقدسة ومسلسل يوسف الصديق ومسلسل أصحاب الكهف وهى أعمال لاقت مشاهدة عالية واستحسان من الجمهور .
هذه الأعمال المتنوعة من تلفزيونية وسينمائية تتناول حياة الأنبياء والصالحين. وتَفاعل الجمهور الشرقي معها إما بالاستحسان والتقدير أو بالنقد والتجريح إذا خرجت عن الخط والذوق السليم. وهذا يدل دلالة واضحة على مكانة الأنبياء العالية بين جمهور الشرقيين لا يدانيه غيرهم من العظماء والمفكرين .
يتبع بالجزء الثاني بمقال الفن الغربي وتجسيد الأنبياء.