توقف السارق أمام رسالة صانع البراويز ، لكنه كان أضعف من اللجوء إلى غيره ليعينه على تفسير ما ورد فيها. أغلق خلفه باب الحمام، فقد كان هو المكان الوحيد الذي بوسعه أن يختلي فيه بنفسه.
لم ينظر إلى مرآة الحوض خوفا من أن يرى وجه المسروق في صفحة القيشاني الممددة في الأرضية الملساء، فقد كان أبيض نظيفا يمكنه أن يشف أي صورة، خاصة إن كانت لشخص يطارد سارقه. تفادى أيضا النظر إلى صفحة المرحاض ناصع البياض، فبوسعه أن يبين صورة لرجل مسروق غاضب مشمئز. نظر فقط إلى الحائط الخلفي.
وبينما كان يعاني من عُسر في إخراج ما في أمعائه من فضلات، جاءته فكرة راح يتراقص لها في جلسته المعثرة.
وحين خرج إلى الصالة لم يكف عن الرقص لأنه كان قد اهتدى إلى ما ظن أن فيه نهاية لمعاناته. هرع إلى درج في دولاب ملابسه كانت به صور قديمة، أخرجها جميعا، وراح يفرزها على مهل. بعضها كان يجمعه بالمسروق، فوضعه إلى جانبه، أخرى كانت للمسروق فقط، تم التقاطها في مناسبات خاصة، هي الصور التي رآها تخدم ما كان يصبو إليه.
لم تكن سوى ثلاث صور، عزلها وأرسلها إلى صانع البراويز ، قائلا له:
ـ ضعها في أرخص برواز لديك.
وجاءته بعد ثلاثة أيام، فراح ينظر إليها في غيظ، ثم علقها على جدران صالة شقته، بعد أن أزاح صوره هو تماما، وهو يقول لنفسه بصوت خفيض:
ـ إن كنت أنظر إلى صوري فأراه، فيمكنني أن أنظر إلى صوره فأراني.
أطفأ الأنوار، فغابت البراويز في الظلام الرائق، ورأى أن صوره هي المبذورة على الجدران، ولا شيء غيرها، لكن شيئا جعله يتشكك في هذا، فهرع إلى الزر وكبسه، فغمر النور المكان، فإذا بصور المسروق لم تتبدل، تنظر إليه باستهانة، بعد أن احتلت جدران صالته.