وصل إلى سمع اللص أن ما فعله مع المسروق قد صار حديث الأهل والأصحاب. قرأ هذا في عينيّ كل من يقابله منهم. بعضهم أوحى له بهذا في تعليقه على ما يكتبه على صفحته في “فيسبوك”، آخرون رموا كلاما غامضا ليس له تفسير سوى أنهم يعرفون السريقة لكنهم في حرج من مصارحته. واحد فقط قال له من دون مواربة:
ـ رد إلى المسروق ماله.
ابتلع ريقه وقال له:
ـ هذا حقي.
نظر إليه ساخرا وقال:
ـ لا يمكنك أن تخدع نفسك.
هز رأسه في عناد، وقال لنفسه:
ـ لا بد من مواصلة الخداع.
وعادت إليه عبارة كان قد سمع صاحبا له يرددها في زمن بعيد لكنه ينسى اسم من قالها: “اكذب اكذب حتى يصدقك الناس”، فقرر أن يمضي في طريقه مغمض العينين، وليذهب الأرق والكوابيس والخزي والأسى إلى الجحيم.
ظل ليلتين كاملتين يطالع المواقع الدينية على شبكة الإنترنت ويجمع منها الكثير عن الورع والزهد والأمانة، آيات وأحاديث نبوية ومقولات لفقهاء وفتاوى وقصص من التراث موزعة على تسجيلات ولقطات مصورة، ثم قرر أن يرسله لجميع الأهل والأصحاب المتواصلين معه عبر “واتس آب” و”فيسبوك”.
أطلق رسالته الأولى، وتنهد محاولا أن يجلب لنفسه ارتياحا. لم يأت لكنه اصطنعه بضحكة مدوية انفجرت في حنجرته، لكنها لم تترك في أعماقه أي أثر لطمأنينة.
كانت تحوي آية قرآنية وتفسيرها، وحديثا نبويا وما يقال حوله، وبعض الحكم والمأثورات عن الأمانة. طارت إلى من قصدهم، وجلس هو ينتظر ردود أفعالهم. بعضهم تجاهلها كالعادة، قلة نقروا “تحبيذ”. الأقل منهم علقوا في حياد، لم يخل من تعجب. أربعة منهم كانوا مختلفين تماما.
الأول كتب له الآية القرآنية:
“أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)”.
الثاني كتب له بيت الشعر الشهير:
“لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَه
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم”.
الثالث، لم يكتب شيئا لكنه وضع عشر علامات تعجب، تلاحقت حتى ملأت السطر.
راح ينظر إلى التعليقات في غيظ، لكن ما جعله يتقافز من الغضب، ويجأر في سعار كأنه حيوان يذبح، هو ما جاءه من شخص لا يعرفه، ولم يكن سوى صورة لوجهه وهو ينبت في رأس مكبوس في عمامة أزهرية، بيضاء وحمراء، ومن ذقنه تتدلى ألسنة من لهب ودخان فاحم السواد.