ليس بخفي على الكثير الخلاف حول وجهات النظر حول طبيعة وحقيقة الإنسان وماهيته الإنسانية، ويمكن حصر تلك الاختلافات حول نظريتين رئيسيتين متقابلتين حول الموضوع، الأولي نظرية الماديين والتي لا يدعمها الدليل المنطقي والنظرية العقلانية المدعومة بالدليل والبرهان. وترى النظرية المادية أن الإنسان ليس سوى هذا الجسم المادي وأنه يتلاشى وينتهي بالموت، بينما ترى النظرية العقلانية أن الإنسان حقيقة مركبة من الجسم والروح معًا، وأن الروح خالدة لا تموت بموت الجسد.
توجد حكمة تقول ” شرف الإنسان بالروح لا بالجسد؛ فلو كان الإنسان بالعين والفهم والأذنين …فما الفرق بينه وبين الرسم على الجدران؟!
الفرق الجوهري بين الإنسان والحيوان
إن الإنسان إنما يتصف بالإنسانية بمجموعة الصفات والأخلاق والمثل العليا، فهي التي تُضفي على الإنسان القيمة والشخصية. فإن الفرق الجوهري بين الإنسان والحيوان تلك القدرة العقلية التي يتمبز بها الإنسان والقيم والمثل العليا التي يجسدها في حياته.
وأن تلك القيم أو ما يميز إنسانية الإنسان، هي من الموضوعات التي لا يمكن أن تفسر وتدرك ماديا، وبالرغم من ذلك ومن شديد الأسف أننا يمكن أن نجد إنسان لا إنسانية فيه، فالأمور الإنسانية القيمة هي أمور لا تصنعها الطبيعة ولا تتخل فيها للطبيعة المغايرة لها لأنها أمور معنوية لا ليست بمادية.
فنجد الألم على سبيل المثال الذي يشعر به الإنسان، ولا نقصد هنا ألم الإحساس بالصداع أو ارتفاع الضغط؛ فقد يشترك الإنسان مع الحيوانات في تلك النوعية من الألم.
إنما قصدنا الألم المعنوي الناتج عن غياب قيم العدل والخير والجمال وما يسببه ذلك الغياب لتلك القيم من ألم معنوي للإنسان، هذا ألم للروح لا للجسد؛ فالإنسان بجانبه المعنوي يتشوق ويميل للقيم التي تغذي روحه، يشعر في أغلب الأحيان بالغربة في تلك الحياة لشوقه ورغبته في الوصول لموطنه الأصلي؛
كل ما هو مادي زائل
فكل ما في هذه الحياة الدنيا في جانبها المادي هو زائل ومتغير ولا يدوم ، مما يجعل رغبة الإنسان فيه والحصول على تلك المنافع المادية لا يحقق له الاستقرار والسعادة الدائمة، بل هو دائم التطلع للخلود والسعادة الحقيقية التي لا مكان لها في هذه الحياة بشقها المادي.
كذلك الحب في حياة الإنسان لهو من الموضوعات التي ليس للماديات دخل فيها، بل على العكس عندما اقترن الحب بالماديات من شراء وتعبير مادي عن الحب، ظهر أن ذلك التدخل المادي قد أفسد مضمون الحب وحوَّله لشيء آخر وهذا من جانب ، وعلى جانب آخر حول موضوع الحب؛ نجد أن الإنسان يشتاق للشيء ويعشقه، ولما يحصل عليه يحصل الفتور وربما الزهد منه.
وهذا يرجع إلى أن الإنسان توهم أنه يحب، فالحب الحقيقي لا يمكن أن يكون للزائل الفاني، والإنسان يعشق في الحقيقة الكمال المطلق وليس شيء آخر حتى وإن لم يدرك تلك الحقيقة.
ليس المطلوب ترك الاحتياجات المادية في تلك الحياة لكن، ليعلم الإنسان أنه مهما أخذ منها فهي ليست باقية، ولا يمكن أن تكون هي كماله الحقيقي، فمن يظن ذلك هو على خطأ كبير سوف يكتشفه يوما ما، فليس المطلوب تركها؛ لكن من الخطأ الكبير اعتبارها هي الموصلة إلى الراحة والهدوء والكمال المطلوب.
ولما كثر الخلط بين ما هو إنساني وما هو حيواني، وكيفية استخلاص الحياة الإنسانية التي تليق بالإنسان من حيث هو مميز عن الحيوان كان من الجيد نقاش الأمر منفردًا في المقال القادم.