صارع اللص النوم لكن لم يغلبه. بقي جفناه مفتوحين على الفراغ، وفي مقلتيه تجاور برواز ومرآة، ثم تتابعا ليصيرا شيئا واحدا، تطل من أعماقه صورة المسروق يبتسم.
حاول أن يتلهى بأي شيء تجود به الذاكرة، لكن لم يتهاد له سوى صاحب الصورة، وهو يمد يده إليه برغيف خبز. طرده من ذاكرته، واستدعى رسالته الوحيدة التي رماها في البريد الإلكتروني، ولم يجرؤ على مراجعتها، وهو يظن أنها قد حوت كل ما حاول به أن يبرر لنفسه ما فعله.
توالت الحروف أمام عينيه، لتصبح كلمات فسطورا تبعثرت وتماوجت كأن عاصفة هوجاء قد ضربتها، ثم لم تلبث أن هدأت، وراحت تتجمع على مهل.
اقترب الحرف من أخيه، وعانقت الكلمة أختها، والتصق كل سطر بما يسبقه وما يليه، حتى صارت السطور كتلة سوداء.
انتفض من مخدعه، ومد يده ليقبض عليها، كي يقذفها من النافذة، لعله يستريح، لكنها أفلتت منه، وتشكلت فيها ملامح، جبهة وأنف وفم وذقن، ثم عينان تنظران إليه في استهانة. هب مفزوعا من مخدعه، وجرى نحو باب الغرفة، ثم استدار سريعا، ليتأكد مما رأى، فتيقن من أنه فعلا وجه المسروق، الذي راح يتسع حتى سد أمامه أي باب للهروب.