قبل أن تنبهر بما وراء الطبيعة، تمهل قليلاً
رحل د. أحمد خالد توفيق منذ عامين وترك وراءه تراث أدبي كبير أثَّر في جيل بأكمله، وزادت شعبيته كثيرًا بعد وفاته لما له من طابع بسيط وتمسك ببعض القيم الضائعة بين كثير من الكتاب والمثقفين، ولموهبته الساخرة في تناول الموضوعات بناحية أقرب لعقول الشباب والبنات. ثم ضجت حاليًا الدعايا الإلكترونية بشتى طرقها لتعلن أن شبكة “نيتفلكس” الأمريكية ساعدت في إخراج ذلك التراث الأدبي من كونه مجرد أدب إلى الشاشة، ليتم تجسيد شخصية “د. رفعت” وأساطير سلسلة “ما رواء الطبيعة” لأول مرة على شاشة التلفاز.
بالطبع لقى هذا الحدث إعجاب الكثيرين خصوصا جيل الثمانينات والتسعينات، فأغلب قراء د. أحمد منهم، وانبهر العديد بتقنية التصوير العالية وطابع الرعب المستجد والنادر على الساحة المصرية، وتتابع الانبهار باعتبار أنه أول مسلسل مصري تنتجه شبكة “نيتفلكس” ، ويتم عرضه وترجمته في أكثر من 190 دولة، وبحوالي 22 لغة مختلفة.
عن الشركة
شبكة “نيتفلكس” هي شركة ترفيهية أمريكية أسسها “ريد هاستنغز” و”مارك راندولف” في 29 أغسطس 1997، في سكوتس فالي – كاليفورنيا، كانت متخصصة في تزويد خدمة البثّ الحي والفيديو حسب الطلب وتوصيل الأقراص المدمجة عبر البريد، ثم في عام 2013 توسعت شركة “نتفليكس” بإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية، وتوزيع الفيديو عبر الإنترنت.
“نيتفلكس” هي شبكة مغلقة، أي توفر خدماتها بالاشتراك الشهري وتُتيح للمشتركين الاختيار من بين قائمة من المسلسلات والأفلام، أي أنها ساهمت في تغيير نمطية المشاهدة التي كانت تعتمد على إجبار المشاهد على مواعيد وتوقيتات محددة. كذلك تتوفر خدماتها عبر موقعها على أجهزة الكمبيوتر أو من خلال تطبيق إلكتروني متاح على أجهزة الهواتف الذكية والألواح الذكية وأجهزة التلفاز الذكية، أي أنها ساهمت بتطوير هائل في طريقة مشاهدة الأفلام والمسلسلات على نحو غير مسبوق.
أعلنت الشركة عام 2018 عن زيادة عدد مشتركي الخدمة ليصل إلى 137 مليون مشترك من جميع أنحاء العالم، وفي إبريل 2020 أعلنت CNN بالعربية أن لدى “نتفلكس” حاليًا 183 مليون مشترك حول العالم، وأضافت: “وزادت أرباح “نتفلكس” في الربع الأول من 2020 بأكثر من الضعف، أي إلى 709 ملايين دولار مقارنة بـ344 مليون دولار في نفس الفترة من العام السابق. وقفزت إيراداتها 28٪ إلى 5.7 مليار دولار”.
محتوى الشبكة
هذا العدد الضخم من المشتركين والأرباح يدفعنا للبحث في “المحتوى” الذي تقدمه شبكة نتفليكس، فلا شك أن الأمر ملفت للنظر خصوصًا أن المشتركين من دول وثقافات مختلفة، بل وأعمار متنوعة.
بالتحليل البسيط والسريع نتأكد من إقحام الشبكة للكثير من المشاهد الجنسية والإباحية في محتواها، بل والتركيز بشكل غير مسبوق على “المثلية الجنسية” وتقديم المثليين بصور عاطفية درامية وقوالب منمقة تجعل “من لا ينتبه” يبدأ في تغيير نظرته وعاطفته تجاههم، ومع الوقت سيغير نظرته عن المثلية نفسها، وهناك تقارير تؤيد مدى زيادة عدد مؤيدي المثلية ومعتنقيها في كثير من البلاد خلال الأعوام القليلة السابقة.
ومؤخرًا، ذاعت “نيتفلكس” فيلمًا كوميديًا برازيليًا بمناسبة عيد الميلاد المجيد اسمه “الإغواء الأول للمسيح” يُصور المسيح مثلي الجنس ومريم العذراء مدمنة للحشيش ويُقال أن لها مشاهد حميمية داخل الفيلم!
لقى الفيلم اعتراضًا كبيرًا على مستوى العالم من مختلفي الأديان باعتباره مهينًا للعقيدة المسيحية ودعوا إلى توقف الاشتراك في الشبكة، وكان رد فعل “نيتفلكس” هو التجاهل! ولم يتوقف عرض الفيلم.
أعمال لاقت اعتراضا
كذلك لقى فيلم Cuties الفرنسي نقدًا كبيرًا وصل إلى المحاكمة الجنائية بسبب تصوير الأطفال بشكل بذئ ومشاهد بها إيحاءات جنسية واضحة وهم أصغر من السن القانوني (18 سنة) وأن المحتوى يناشد الاهتمام الأولي بالجنس ولا قيمة فنية أو أدبية أو علمية أو سياسية جادة فيه، وقد قامت “نيتفلكس” بالترويج له بغلاف يُظهر الفتيات بوضعيات غير لائقة ذات طابع جنسي.
وصفت عضو الكونغرس “تولسي جابارد” الفيلم بأنه “إباحي للأطفال” ومن شأنه أن “يثير شهية المتحرشين بالأطفال ويغذي الاتجار بالأطفال في تجارة الجنس”.
ويروي الفيلم قصة فتاة سنغالية – فرنسية نشأت في بيئة إسلامية تقليدية وهي عالقة بين القيم التقليدية وعالم منصات التواصل الاجتماعي الذي دفعها إلى القيام بأشياء جريئة للغاية.
اعتذرت نيتفلكس عن الملصق الإعلاني – فقط – وحذفته وقالت في بيان لها حصل عليه موقع “ديديلاين”: “نحن آسفون بشدة عن الملصق غير المناسب الذي استخدمناه لفيلم “Cuties”، لم يكن الأمر جيدًا، ولم يكن ممثلا لهذا الفيلم الفرنسي الذي عُرض لأول مرة في مهرجان”صندانس”، لقد قمنا الآن بتحديث الصور والوصف الخاص به”.
ونجد أيضًا احتجاجات في الأردن بسبب مسلسل من إنتاج نيتفلكس وهو “مسلسل جن” الأردني، تدور أحداثه حول طلاب وطالبات ثانوية بالأردن بسبب احتواء مشاهده على ألفاظ بذيئة ومشاهد حميمية بين الفتيات والشبان، حيث اعتبره الشارع الأردني منافيًا للأخلاق والقيم الأردنية ولا يعبر عنهم.
ماذا تتوقعوا رد نيتفلكس؟
علقت في تغريدة على حسابها الرسمي بتويتر: “تابعنا بكل أسف موجة التنّمر الحالية ضد الممثلين وطاقم العمل في مسلسل جِنّ ونعلن أننا لن نتهاون مع أي من هذه التصرفات والألفاظ الجارحة لطاقم العمل. موقفنا لطالما كان متمركزًا حول قيم التنوع والشمولية ولذلك نحن نعمل على توفير مساحة آمنة لكل محبي المسلسلات والأفلام حول المنطقة”.
يحلل البعض أن هدف شبكة نتفليكس ربحي وتجاري بحت، وهذا واضح، فلا مراعاة لأي قيم أو أثار على المشاهد، ولكن هي أيضًا تزرع أفكار معينة تم دراسة أثرها بدقة وتقع ضمن خطة ممنهجة للسيطرة على عقول الجميع بغرض تحقيق مصالح من يقود العالم الآن.
ليست صدفة أن تكون الشبكة أمريكية، وليست صدفة أن يتم التركيز على محتوى إباحي ومبالغة في إظهار المثلية وتطبيعها وتجميلها، وليس صدفة كذلك أن يتم إنتاج أفلام ومسلسلات تُغير عقائد دينية ثابتة ولا تراعي اختلاف الثقافات على الأقل، وليست صدفة أن يتم إنتاج محتوى للأطفال والمراهقين بشكل جرئ وفج.
ليست صدفة كذلك أن يتم تهيئة نظام آمن لمشاهدة الأطفال ولكن بالتأمل فيه نجد أنه غير فعال بسبب:
– خطواته مملة وتحتاج متابعة ووقت، لن يلتزم بها الأغلب في يومه المزدحم، وإن التزم مرة فلن يكون هناك الثانية.
– الأطفال والمراهقين الآن أذكياء في عالم التكنولوجيا والأجهزة الذكية، فلا غرابة في استحداث طرق معينة للاختراق.
– عمل تضييق على مشاهدة أنواع معينة من الفيديوهات لا يلغي إمكانية ظهور صورها “التي صُممت ببراعة طبعاً”، وبالتالي إن لم يصل الطفل الآن للفيديو سيبقى عالقًا في ذهنه أثر الصور التي شاهدها ومُنعت عنه، وسيزيد ذلك من فضوله بالتأكيد.
ماذا نتوقع أن يكون هدف شبكة بهذه الصفات في التطوع لإنتاج مسلسل لكاتب أدبي مشهور ومحبوب من الفئة الشبابية بالذات؟
هو محض استغلال لشعبية د. أحمد وأثره في أجيال بأكملها، لبث القبول أولا في نفوس المصريين بالأخص “لأنه الموجه لهم بهذا المسلسل” بعد اهتزاز سمعتها مؤخرًا في الشارع المصري بأنها داعمة للشذوذ والإباحية، وبالتالي عدد مشتركين أقل أي وصول أضعاف لأموالهم وعقولهم.
بعد بث القبول وتحسين السمعة بالتدريج، يمكنها استكمال باقي أهدافها بأريحية تامة؛ بل سيقوم المشاهد هو نفسه بطلب وتسهيل ذلك.