مقالات

الإنهيار الاقتصادي القادم

حين تقرأ كتاب الصفقة التي لم تتم Broken Bargain للكاتبة الاقتصادية كاثلين داي تكون على يقين أن العالم سيدخل في انهيار اقتصادي أكيد خلال السنة أو السنتين القادمتين. يتابع الكتاب عجلة الاقتصاد الربوي طوال فترة المائتين سنة الأخيرة، عجلة الربا والبورصة والتلاعب بالمال والأوراق، مثلا مع الحرب العالمية الأولى طبعت الحكومة الأمريكية سندات الحرب لتبيعها للمواطن الأمريكي مقابل تمويل جيوش أمريكا في الحرب، من حسن حظ أمريكا أنها انتصرت.

ظهور الاقتراض والربا

استغلت أموالا من أوروبا، وهي أصلا أموال مسروقة من مستعمرات أوروبا (ضحية)، بعد الحرب وجد الشعب الأمريكي معه فائضا من المال، أموال كثيرة تريد من يقترضها، فظهر تشجيع الاقتراض و الربا بين الشعب، ظهرت لأول مرة في التاريخ أن يقترض الناس عن طرق الربا ، ليس لشراء أشياء مضطر لها، أو فك أزمة مخيفة يمر بها، أو علاج، أو بناء مصنع،

لكن بدأ الناس يقترضون المال ويصبح عاديا أن تقترض لتشتري بيتا أو سيارة أو ثلاجة أو محمولا أو تليفزيون أو بعض الأثاث أو أي سلعة ترفيهية يمكن الاستغناء عنها والحياة بدونها، لكنها تحولت في عقول الناس إلى أمر لا يمكن الحياة بدونه! أساسية للحياة! جوع الرغبة في الشراء والامتلاك تحت ضغط الدعاية والإعلان!

أصبحت فكرة الاقتراض ليست شيئا معيبا في عقل ماكينة الدعاية الأمريكية، والمهم هو أن تشتري أشياء، تملك أشياء، تستهلك أشياء. واستمر الحال من ١٩٢٢ إلى ١٩٣٣. وحدث تسارع في فقاعة كبيرة من ما يسمى نمو، بسبب التفاؤل وتوفر الكثير من الورق المسمى نقود أو أسهم أو سندات مطبوعة المفروض أنها تساوي شيئا وقيمتها تتزايد، بينما هي يتم تحويشها وتراكمها على أنه سوف تظهر قيمتها يوما ما قريبا!

العجلة غير المنتهية

اشترِ اليوم ما تريد وادفع فيما بعد، بالتقسيط، بالفوائد، بالأرباح، بالربا! لا تقلق اشترِ اليوم وادفع فيما بعد! مجرد “امضِ على الورق ده والعقد ده والوصل ده، وافرح بالسيارة الجديدة والشقة الجديدة والكنبة الجديدة!”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم فجأة! مطلوب تسديد الديون! لقد طبعت الحكومة ورق دولارات، والبنوك ورق سندات، والبورصة أسهما، عقود الديون والأقساط، كل هذا مطلوب تسديده، لكن الكثيرين لم يستطيعوا تسديده.

فجأة يصاب الجميع بالهلع، الورق المطبوع يفقد قيمته! ومعه يفقد الملايين كل ثرواتهم ومستقبلهم، وإفلاس وسقوط وانهيار وكساد، وبعد الانهيار وضياع أموال الناس تبدأ العجلة من جديد، مع البحث عن ضحية جديدة.

هذه العجلة مستمرة منذ بداية القرن العشرين، كل عشرة أو خمسة عشر عاما،

آخر دورة كانت فقاعة العقارات في ٢٠٠٨، وقبلها فقاعة ال دوت كوم في ٢٠٠٠، وهكذا، والفقاعة تكبر عن طريق الربا وطباعة ورق وهمي اسمه سندات وأسهم ودولارات وجنيهات، وأرباح بنوك متوقعة ومضاربات بورصة يقول لك الخبراء أنها مضمونة، وفي كل مرة تنفجر الفقاعة وتضيع معها مدخرات الملايين، ولا عزاء للمغفلين.

اليوم تطبع كل الحكومات ورقا تحت شعار حزمة تخطي أزمة كورونا، هذا الورق لايزال في الأدراج والخزانات لم يخرج بعد، لذلك قيمته متماسكة، لكن بعد انتهاء الأزمة سيخرج الجميع الورق وهو معتقد أنه يساوي شيئا، لكن حين يكتشف الجميع أنهم جميعا معهم نفس الورق، ورق كثير بلا مقابل في الإنتاج المادي، سينهار هذا الورق وتنفجر الفقاعة، غالبا في منتصف أو أواخر سنة ٢٠٢١.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

البنوك والنظام المصرفي واستعباد الأمم

الحلم الأمريكي الذي يسعى له الكثير من دول العالم

حرب الغاز

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس