مقالاتسارق ومسروقفن وأدب - مقالات

سارق ومسروق – الوجه الأول

هذا النص وهذه الحكاية الغريبة للروائي والمفكر عمار علي حسن

إنها اللعنة، نعم هي، حيث يطارد وجه المسروق وكلماته عينيَّ السارق وأذنيه في كل مكان، فهو كلما نظر إلى شيء رأى المسروق، وإن أنصت إلى شيء سمعه، ومهما حاول أن يتجاهل هذا أو يتناساه فإنه لا يقدر أبدا، لكنه لا يكف عن المحاولة.

نحن أمام قصة نفسية ورمزية، من يقرأها على مهل وبوعي، ربما يجدها قد لخصت الكثير مما يجري في حياتنا الآن وهنا، وتنجلي فيها حال بلد بأكمله، فالسارق يتبجح ويبرر لنفسه وغيره ما فعل، بل يضع حذاءه الثقيل على عنق المسروق، الذي لا يملك سوى الصمت والانكسار، وغاية ما يقدر عليه هو أن يرسل طيفه وصدى صوته كي يطارد اللص صاحب الأربعين وجها، لكن الأيام تثبت أن هذا ليس بالهين.

سارق ومسروق

أربعون وجها للص واحد

متتالية قصصية

الوجه الأول

حين نظر اللص في المرآة رأى المسروق يجلس هناك في العمق البعيد للزجاج المصقول يحملق فيه بغضب واستهانة. حاول أن يتجاهله متذرعا بالتبريرات التي طالما رددها كثيرا كي يستحل ما فعل، لكنه لم يستطع.

رمى شفرة الحلاقة فوق القيشاني البارد وخطف المعجون، وراح يلطخ بالفرشاة المبتلة الصفحة اللامعة كي يخفي ما يرى.

غاب كل شيء خلف الرغوة البيضاء، فتنهد في ارتياح، لكن فجأة ظهر وجه المسروق مرة أخرى في قلب زجاج يصفو، وبياض ينحسر، لم يبق منه سوى شعر صاحب المال المخطوف، شاهدا على أنه عجوز حكيم، طالما عامل اللص كابن، ولم ينتظر منه يوما غدرا وخسة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

الديستوبيا!

نمل الولد الطيب

هيراقليطس الباكي، وديموقريطس الضاحك!

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري