الحسد – هل للعين قوة تدميرية؟
من الأشياء العحيبة جدا والمنتشرة في المجتمع وخاصة في الأرياف موضوع العين، فبعض الناس لديهم وسواس قهري بسبب العين، فهم يظنون أن الحاسد هو الشخص الذي إذا نظر بعينه إلى الشيء أفسده، لذلك أي شخص ينظر إليهم أو إلى ما في أيديهم فهم يتوقعون منه الهلاك، بل يظنون أن معظم خسائرهم ومشاكلهم تأتي بسبب الحسد وبسبب تلك العيون التي تستحق فقأها،
وإذا فسد أي شيء لديهم لأي سبب كان على الفور يقولون “فلان نظر إليه”، وإذا كان هذا الظن صحيحا فليس له إلا تفسير واحد وهو “أن العين تصدر أشعة وذبذبات قوية جدا تشبه أشعة الليزر أو فوق البنفسجية أو تحت الحمراء، وهذه الأشعة تدمر الأشياء”، بالطبع هذا افتراض لا يدخل العقل أساسا، حيث إن فاقدي البصر يحسدون أيضا، فمن أين تخرج الأشعة؟!
والنظريات التي توصل إليها ابن الهيثم وغيره من علماء البصريات تؤكد على أن العين ترى نتيجة انعكاس الضوء عليها، بدليل أن الإنسان لا يرى في الظلام، بل لا بد من إشعال مصباح كي يسقط الضوء على الأشياء فينعكس الضوء من الأشياء على العين فتراها، ولو كانت العين ترسل أشعة لما احتجنا إلى إشعال مصباح لأن العين نفسها تبعث أشعة وهذا لا يحدث.
العين عضو عادي جدا مثل بقية أعضاء الجسم ولا يصدر أية إشعاعات مدمرة، كل القضية تكمن في معرفة ما هو الحسد، وكيف يتم، وما هي مداخل الحسد، ومَن هم الحُساد؟
عن الحسد والحاسد
لو رجعنا إلى القرآن الكريم سنكتشف أن الحسد ما هو إلا مرض نفسي، أي من أمراض النفوس وقريب من الحقد، فالحاسد يرى نعمة عند غيره فيتمنى زوالها وربما يترجم هذا التمني إلى أفعال ضارة للذي يحسده، كأن يقوم بمحاربته أو تدبير المكائد له، وبذلك يصدر عن الحاسد (شر)، لذلك نحن نستعيذ بالله من شر الحاسد “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”، وليس من الحسد نفسه أو من الحاسد، لأن كل ذي نعمة محسود، فالمشكلة كلها في الشر الذي قد يصدر من الحاسد، وكل إنسان ناجح وتحيطه النعم فهو محسود، ولا نستطيع أن نمنع الحُساد، قال تعالى: “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”.
ومن الآيات القاطعة في أن الحسد مرض نفسي ومصدره النفس وهو قريب من الحقد، قوله تعالى: “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، فكما نرى بوضوح أن كثيرا من أهل الكتاب ودوا أن يردوا المؤمنين كفارا، وهذا تمني زوال النعمة عن الغير، وهذا حسد، ملحوظة: أهل الكتاب ليسوا سواء، قال القرآن: “ليسوا سواء”، فمنهم المؤمنون ومنهم غير ذلك.
وإذا عرفنا أن الأعمى يحسد والبصير يحسد أيضا، فلا داع للقول بأن للعين قوة تدميرية، وإنما العين وسيلة مساعِدة؛ بها يرى الحاسد النعم فيتراكم الحقد والغل في قلبه، ويمكن أن يسمع الإنسان أو يقرأ عن نعمة أحدهم فيحسده أيضا، فالعين ليس لها قوة تدميرية، المشكلة كلها في النفوس المريضة فهي تحسد، ويمكن أن يُترجَم هذا الحسد إلى شر. وربما البعض يُخبىء النعم عن أعين الناس ويكتم بعض الأمور أحيانا، ربما لمراعاة مشاعر الآخرين، وربما لقطع الطريق على الحُساد، وربما لاعتبارات أخرى.