مقالات

الخدمة الاجتماعية الطبية وإدراة الأزمات

(فيروس كورونا نموذجا)

تحتل الرعاية الصحية مكانا بارزا في العصر الحديث، حيث يقاس تقدم المجتمعات ورقيها بمدى ما تقدمه للأفراد من خدمات صحية، ويعزى الاهتمام بالرعاية الصحية لكونها استثمار بشري لأفراد المجتمع لضمان مشاركتهم في العملية الإنتاجية، فعن طريقها يمكن تنمية الموارد البشرية كما وكيفا.

ويتمشى الاهتمام بالرعاية الصحية مع تقدم الدراسات العلمية في الميدان الطبي في السنوات الأخيرة، حيث تنوعت أساليب الفحص الطبي، كما تعددت وسائل الكشف المبكر عن الأمراض، وقد يتبع ذلك سهولة في التشخيص وتيسير في العلاج الذي استحدث فيه الكثير مما كان يعد ضربا من المحال فيما قبل، ومعنى ذلك أن الرعاية الصحية بلغت الذروة في عصرنا هذا تبعا لازدهار علوم الطب وتعدد وسائل الفحص.

في هذا المقال سنتعرف سويًا على دور الأخصائي الاجتماعي في المجال الطبي وكيفية مواجهة الأزمات خاصة أزمة كورونا

أهمية مهنة الخدمة الاجتماعية في المجال الطبي

كما أن تقدم أي مهنة من المهن يقاس بمقدار ما تقدمه من خدمات فعالة للمجتمع بأفراده وجماعاته، ومهنة الخدمة الاجتماعية هي إحدى المهن الإنسانية التي تهتم بإحداث التغييرات الاجتماعية المرغوبة في الأفراد والأسر والجماعات والمجتمعات بالتعاون مع المهن الأخرى من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتوفير سبل الحياة الكريمة للمواطنين.

وتعد الخدمة الاجتماعية الطبية أحد مجالات ممارسة الخدمة الاجتماعية، وتعتمد بشكل رئيسي على خبرات ومهارات وأساليب الأخصائي الاجتماعي الطبي في مساعدة المريض وأسرته من ناحية ومساعدة إدارة المستشفى والطبيب وهيئة التمريض من ناحية ثانية، ومساعدة المجتمع في الوقاية والعلاج من الأمراض المختلفة ذات الأبعاد الاجتماعية على وجه الخصوص من ناحية ثالثة،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كما أن مهنة الخدمة الاجتماعية في المجال الطبي تتكامل مع أدوار بقية أعضاء الفريق المعالج بحيث تثمر في نهاية الأمر عن تقديم خدمات صحية متميزة ورعاية اجتماعية أفضل للمرضى،

والمتتبع لوضع الخدمة الاجتماعية الطبية في الدول المتقدمة خلال مسيرتها التطورية يمكن أن يخرج بمجموعة من الاستنتاجات الهامة، لعل من أبرزها أن الخدمة الاجتماعية لم تعد مجرد استجابة لمثير أو رد لفعل وإنما أصبحت مهنة رئيسة وشريكا فاعلا في عملية العلاج.

دور مهنة الخدمة الاجتماعية في مواجهة الكوارث والأزمات

مهنة الخدمة الاجتماعية

ولمهنة الخدمة الاجتماعية دور فعال في مواجهة الكوارث والأزمات من خلال الاستجابة الفورية، حيث تساهم في إعادة التوازن للمجتمع وتواجه المشكلات والآثار التي أعقبت حدوث الأزمة،

ويلعب الأخصائيون الاجتماعيون دورا كبيرا في تلك الجهود من خلال أدوار محددة يقومون بها، تتجسد في تقديم كافة مظاهر العون والسند والدعم للمواطنين المتأثرين بالكارثة بما يعينهم على مواجهتها، وتوفير خدمات على مدار الساعة تتسم بالسرعة والرغبة في إنقاذ الأوضاع السيئة التي أوجدتها الكارثة أو الأزمة.

ولا يعمل الأخصائيون الاجتماعيون بمفردهم في توفير تلك الخدمات بل يتعاونون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة بتقديم الخدمات في مجال حدوث الأزمة.

 الخدمات التي توفرها مهنة الخدمة الاجتماعية عند التعامل مع الكوارث

ومن خلال التدخل المهني للخدمة الاجتماعية عند حدوث الكوارث تظهر نواحٍ هامة في التعامل معها من خلال العديد من الجوانب التي تم تنظيمها وإعدادها إداريا وإجرائيا لممارسة عمليات المساعدة العاجلة والفورية للمنكوبين،

كذلك يتم إجراء تدريبات عملية داخل المؤسسة تبصر بكيفية التعامل مع الكوارث والأزمات حال وقوعها مع عقد ندوات تتناول أمثلة لنماذج عالمية بمجال الكوارث والأزمات وكيفية تصرف المجتمع معها حال وقوعها،

ومن هذا المنطلق تشكل الخدمة الاجتماعية بوتقة جامعة وهي تتعامل مع الكوارث من خلال مجموعة الخدمات التي تقدمها، بما يجعلها تعيش محنة المنكوبين بأسلوب مهني وعلمي يستند إلى المعرفة

ويوفر عامل الطمأنينة للمجتمع الذي تعرض للكارثة ويؤهله من جديد نحو مسيرة التطور والبناء التنموي، فتتحول طاقته صور التغيير ويستفيد من الدرس في مواجهة الأزمات الطارئة مستقبلا.

اقرأ أيضاً:

هل الوقاية من فيروس كورونا المستجد COVID 19تحتاج إلى تباعد اجتماعي أم تحتاج إلى تباعد جسدي؟

كيف ستنتهي جائحة كورونا؟

الوصمة الاجتماعية في ظل تفشي فيروس كورونا (كوفيد19)

أزمة عالمية يعيشها المجتمع منذ نهاية عام ٢٠١٩

مهنة الخدمة الاجتماعية

هذا ويعيش المجتمع العالمي منذ نهاية عام ٢٠١٩ وبدايات العام الحالي٢٠٢٠ في أزمة عالمية بمعنى الكلمة، والتي نجمت عن تفشي عدوى وباء فيروس كورونا المستجد (19COVID(، ذاك الفيروس العجيب الذي هز أركان العالم بأسره وفكك أواصره، فلم يكن يتخيل البشر يوما أن يصبح الاستبعاد والتباعد الاجتماعي هو الملاذ الآمن،

ففي الوقت الذي كانت كل النظريات العلمية تدعو البشر للاندماج والتعايش الاجتماعي، جاءت تلك الجائحة لتهدم كل هذه الأفكار،

ولقد انتشر هذا الفيروس انتشار النار في الهشيم دوليا وإقليميا ومحليا، ووفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية حتى كتابة هذه السطور يبلغ عدد الإصابات المؤكدة عالميا: ٧٧٥,١٥٨,٢٢مليون، وإجمالي عدد الوفيات جراء الإصابة بهذا الفيروس:

٨١٣٦٦,٧ مليون حالة، أما حالات التعافي فقد بلغت: ٧٤٨,١٢٨,١٤ مليون حالة، وتعتبر البرازيل أعلى دول العالم من حيث معدلات الإصابة تليها الولايات المتحدة الأمريكية .

والسؤال المطروح هنا والذي سوف نحاول الإجابة عنه خلال هذا المقال هو:

ماذا يمكن أن يُقدم الأخصائيون الاجتماعيون لعملائهم في ظل أزمة فيروس كورونا  COVID-19؟

يواجه الأخصائيون الاجتماعيون حول العالم اليوم ضغوطا متزايدة في ظل انتشار فيروس كورونا والذي غيّر شكل ونمط الحياة اليومية للمجتمعات كافة،

حيث يواجه الكثير من أفراد المجتمع اليوم تغيرا سريعا ومفاجئا في أدوراهم الاجتماعية التي اعتادوا على القيام بها بشكل يومي، مما يشكل ضغوطا اجتماعية ونفسية تتمثل بصورة مشاعر سلبية متعددة كالاكتئاب والقلق والتوتر وغيرها،

بالإضافة إلى التفكير والخوف من الإصابة بالمرض مع تزايد عدد حالات المصابين في كافة دول العالم.

نصائح للأخصائيين الاجتماعيين في كيفية التفاعل لمكافحة فيروس كورونا

مهنة الخدمة الاجتماعية

وتتمثل هذه الضغوط بالنسبة للأخصائيين الاجتماعيين في التغير المفاجئ في الأدوار المهنية وانقطاعهم عن عملائهم وصعوبة التواصل معهم وتقديم الخدمات الاجتماعية والتدخل المهني لهم في ظل إجراءات العزل الصحي،

وهنا بعض النصائح للأخصائيين الاجتماعيين في كيفية التفاعل ومواصلة الجهود المبذولة لمكافحة فيروس كورونا ومساعدة عملائهم من خلال:

نصائح خاصة بالأخصائيين الاجتماعيين

  • المساهمة في توعية العملاء وأفراد المجتمع بالمخاطر والسلوكيات الاجتماعية التي قد تتسبب في الإصابة بالمرض.
  • التأكيد على أهمية التباعد الجسدي للمحافظة على الصحة العامة وتجنب الإصابة بالمرض.
  • التأكد من نظافة مكاتبهم والحرص على اتباع طرق الوقاية المعتمدة من وزارة الصحة ونشرها لعملائهم لطمأنتهم.
  • المساهمة في عقد الندوات والمحاضرات الافتراضية على المواقع الإلكترونية والمشاركة بها لتوضيح بعض الأزمات التي حدثت في الماضي وما نتج عنها وكيفية مواجهتها.
  • التركيز في هذه المرحلة على حصر الموارد المجتمعية التي يمكن أن يستفيد منها العملاء بالحصول على خدمات تسد احتياجاتهم الاقتصادية والمادية وضمان استفادتهم منها.

نصائح خاصة بالعملاء

  • التواصل مع العملاء بشكل مستمر من خلال التطبيقات الإلكترونية والتي تضمن الحد الأدنى على الأقل من معايير استخدامات التكنولوجيا في الخدمة الاجتماعية وتحافظ على خصوصية العملاء.
  • التأكد من مقدرة العملاء على استخدام التطبيقات الالكترونية في التواصل وشرحها لهم وتدريبهم على استخدامها لضمان استمرار تواصلهم وعدم انقطاعهم عن الحصول على الخدمات التي يقدمها لهم الأخصائي الاجتماعي بالمؤسسة.
  • يتوجب على الأخصائيين الاجتماعيين في ظل أزمة كورونا والعزل المنزلي العمل على مساعدة العملاء للتخلص من الشعور بالعزلة الاجتماعية.
  • مساعدة العملاء في التخفيف من حدة التغيرات المفاجئة عن فقدان دورهم الوظيفي واضطرارهم للبقاء في المنزل فترات طويلة للمحافظة على صحتهم وسلامتهم.
  • يشكل العزل المنزلي ضغطا كبيرا يؤثر على أدوار العملاء وجعلهم تحت الضغوط، وهنا يمكن أن يعمل الأخصائيون الاجتماعيون على مساعدة العملاء على كيفية الاستفادة من أوقات الفراغ بطريقة تعود بالفائدة من خلال عدد من الأساليب العلاجية مثل الإقناع والتوضيح.
  • يعمل الأخصائيون الاجتماعيون خلال هذه المرحلة على تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى العملاء حول فيروس كورونا واستبدالها بمعلومات صحيحة من مصادر موثوقة.

بعض الأساليب العلاجية المستخدمة في مهنة الخدمة الاجتماعية

ومن الأساليب العلاجية التي يمكن أن يمارسها الأخصائيون الاجتماعيون مع عملائهم في هذه الفترات الحرجة من انتشار فيروس كورونا والتي يمكن تقسيمها إلى:

أولا: أساليب تستهدف التخفيف من الضغوط

  • مساعدة العملاء على الإفراغ الوجداني من خلال التعبير عن مشاعرهم السلبية كالخوف والقلق إزاء فيروس كورونا، أو تعرضهم لأزمات مالية أو صحية نتيجة العزل المنزلي الذي قد يؤدي إلى انقطاع أعمالهم ومواردهم المالية والاقتصادية.
  • التواصل الدائم والمستمر مع العملاء بما يشعرهم بأهميتهم وأحقيتهم في الحصول على المساعدة كغيرهم من أفراد المجتمع.
  • تطمين العملاء من خلال تطبيق أساليب الدعم النفسي والتشجيع وبث روح التفاؤل والأمل دون التقليل من خطر فيروس كورونا والتأكيد على أهمية اتباع تعليمات الحماية والسلامة.
  • يجب على الأخصائيين الاجتماعيين في هذه المرحلة التواصل المستمر مع العملاء للتأكد من سلامتهم وعدم تعرضهم لأي مخاطر، خاصة أولئك الذين لا يوجد من يرعاهم في منازلهم أو يتوقع منهم بعض السلوكيات المرتبطة بالانتحار وغيرها مما قد يضر بحياة العميل.

ثانيا: أساليب تستهدف تدعيم الذات لمواجهة أزمة فيروس كورونا

  • الشرح والتوضيح للعملاء وتزويدهم بالمعلومات التي يحتاجونها حول فيروس كورونا وتزويدهم بالمصادر الموثوقة التي يمكن متابعتها واستقاء المعلومات منها.
  • مساعدة العملاء وخاصة المصابين بالفيروس بتقبل الواقع الذي يعيشونه اليوم وتشجيعهم في الالتزام بالتعليمات والتوجيهات والإجراءات الطبية بما يتحقق معه الشفاء بإذن الله.
  • يقدم الأخصائيون الاجتماعيون وجهات نظرهم للعملاء في كيفية مواجهة أزمة فيروس كورونا من خلال عدد من الأساليب العلاجية ومنها (الإيحاء، والضغط، والنصح).
  • يمارس الأخصائيون الاجتماعيون خلال هذه المرحلة مع عملائهم التوقعات المستقبلية وكيفية التعامل معها كنوع من الاستعداد والجاهزية نفسيا واجتماعيا واقتصاديا.

ثالثا: أساليب تستهدف استثمار إمكانات وموارد المجتمع

  • يعمل الأخصائيون الاجتماعيون في هذه المرحلة على التعاون التام والتكامل في العمل بحيث يتم زيادة وتوسيع شبكة العلاقات مع الأخصائيين الاجتماعيين في كافة المؤسسات الاجتماعية الحكومية والأهلية والتي يمكن أن تسهم في تقديم خدمات متبادلة لعملاء تلك المؤسسات.
  • يعمل الأخصائيون الاجتماعيون بتزويد العملاء بمصادر الحصول على الموارد المتاحة لسد احتياجاتهم الأساسية والصحية ومساعدتهم في توفيرها لهم من خلال الاتصال بهذه المؤسسات.
  • يعمل الأخصائيون الاجتماعيون في هذه المرحلة على تقديم النصح والتوجيه للعملاء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت والبريد وغيرها من الوسائل التي يمكن الوصول من خلالها للعملاء وذلك لمتابعة حالاتهم والوقوف على كل ما يتعلق بعمليات المساعدة فى علاج مشكلاتهم.

ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع للمصادر التالية:

– مخلوف، إقبال (2000). الرعاية الطبية والصحية ورعاية المعوقين، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.

– قمر، عصام توفيق (2007). الخدمة الاجتماعية بين الصحة العامة والبيئة، القاهرة، دار السحاب للنشر والتوزيع.

– الشيباني، نورة معيض برجس (2006). العوامل المؤثرة على أداء العاملين في أقسام الخدمة الاجتماعية بالمجال الطبي، رسالة ماجستير، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان.

– جمعية الأخصائيين الاجتماعيين، أدوار الأخصائيين الاجتماعيين وقت الأزمات، 2020.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ.م.د / السيد منصور الشاعر

أستاذ خدمة الفرد المساعد بالمعهد العالى للخدمة الإجتماعية بالقاهرة