مقالات

علــوم على الأرصفة: دعوة لوقف تسونامي منح الدرجات العلمية

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة خطيرة لها بالغ الأثر على مستقبل البحث العلمي المصري، هي ظاهرة بيع نسخ الرسائل العلمية الجامعية على الأرصفة أمام أبواب الجامعات أو في مكتبات بيع الكتب القديمة.

وعلى الرغم من رقمنة الأبحاث والرسائل العلمية وإتاحة بعضها على شبكة الإنترنت، فإنه -في تصوري- لا يمكن لباحث علمي سوي حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه أو إحداهما أن يتنازل عن رسالته أو أطروحته التي قضى في إعدادها سنوات تراوحت بين سنتين وسبع سنوات أو يزيد،

متوددا إلى أساتذة كبار لتلقي علم أو طلب مشورة أو توجيه، مترددا بين جنبات المكتبات الرقمية والورقية، قارئا ومترجما ومحللا وناقدا ومعالجا، وتحصل من خلالها على درجة علمية رفيعة المستوى، أن يسمح ببيعها على الأرصفة أو إلقائها في صناديق المهملات،

وإنما مصدر هذه الرسائل العلمية قد يكون إما عمليات الجرد التي تحدث كل عام بمكتبات الجامعات والمكتبات العامة، بالتخلص من الرسائل التالفة والنسخ الزائدة، أو تخلص بعض الباحثين والأساتذة -المشرفين على إعداد هذه الرسائل – من بعض الرسائل القديمة أو النسخ الزائدة، التي في الغالب كتبت لمراجعتها وعمل التعديلات اللازمة عليها قبل طباعة النسخ النهائية منها.

وعلى الرغم من ذلك فإن تنامي ظاهرة بيع الرسائل والأطروحات العلمية على أرصفة الطرقات وأمام أبواب الجامعات ينذر بكارثة كبيرة، وهو فقدان القيمة العلمية والأدبية للرسائل العلمية وللحاصلين عليها في عقول وقلوب الشباب والباحثين، مما يقلل من قيمة الرسائل العلمية والبحث العلمي، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى عزوف الباحثين الجادين عن خوض غمار البحث العلمي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السعي نحو التميز، وتسونامي الرسائل العلمية:

إن أصل مشكلة كثرة نسخ الرسائل العلمية وبيعها على الأرصفة يرجع إلى أسباب عديدة، منها: فقدان المؤهلات الجامعية لكثير من قيمتها بسبب الأوضاع الاقتصادية المضطربة في الدول العربية، وكذلك قلة فرص التوظيف المتاحة، مما جعل كثيرا من الخريجين يبحثون عن درجات علمية أعلى تميزهم عن منافسيهم في الوظائف الحكومية أو الخاصة، أو بحثا عن الوجاهة الاجتماعية التي يوفرها اللقب العلمي لحامله.

وواحد من الأسباب المهمة كذلك هو تساهل بعض الأساتذة الجامعيين -المشرفين على الرسائل العلمية- في منح الدرجات العلمية للباحثين غير الجادين بشكل غير مسبوق، مما ترتب عليه سيل جارف من الحاصلين على درجة الماجستير والحاصلين على درجة الدكتوراه.

اجتاح هذا السيل المجتمع المصري في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي ترتب عليه مطالبة الحاصلين على هذه الدرجات بالتعيين في الجامعات، أو تمييزهم عن من دونهم من الحاصلين على مؤهلات أدنى، مع تأكيدي على أن هذا حقهم؛ طالما حصلوا على هذه الدرجات رفيعة المستوى.

ذلك التسونامي الذي سوف يبلغ ذروته بعد أن نرى نتيجة تطبيق قرار المجلس الأعلى للجامعات المصرية الذى سمح لخريجي برامج التعليم المفتوح، وللحاصلين على تقدير عام مقبول بالتسجيل في برامج الدراسات العليا بالجامعات.

وفيما يخص السرقات العلمية والإخلال بأخلاقيات البحث العلمي، فإن هذه الأمر لا يمكن السيطرة عليه كلية في هذا العصر الرقمي المتدفق معلوماتيا وبياناتيا، لكن يمكن للأستاذ الجاد المُطَّلِع على مستجدات تخصصه كشف ذلك بسهولك ويسر، كذلك تم استحداث برامج متخصصة في الكشف عن السرقات العلمية، وقياس نسب الاقتباس في الأبحاث والرسائل العلمية، تخضع لها جميع الأبحاث والرسائل العلمية قبل تحكيمها ومنحها الدرجة.

ضوابط حاكمة لمنح الدرجات:

من ثَم يجب على الأساتذة والمسئولين عن الدراسات العليا بالجامعات المصرية وضع ضوابط قانونية حاكمة لعملية منح الدرجات العلمية في موضوعات لا فائدة منها، فنحن لا نملك رفاهية البحث العلمي، ومن ثم دعم الموضوعات التي تهدف إلى تشخيص المشكلات وثيقة الصلة بالمجتمع وحلها، والتي تسهم بطبيعتها في تنمية المجتمع وتقدمه،

هذا فضلا عن الاستفادة من الأطروحات العلمية المهمة، النظرية والتطبيقية، ومشروعات التخرج بالكليات، ورقمنتها وعمل مستودعات وقواعد بيانات خاصة بها للرجوع إليها والاستفادة منها في دعم المشروعات القومية الكبرى داخليا وخارجيا، حيث تمثل الجامعات بيوت خبرة لابد من الاستعانة بالأبحاث والدراسات التي تُجرى في أروقتها، والاستعانة بأساتذتها المختصين في شتى العلوم والمجالات.

فعلى الدولة عند قيامها بأية مشروعات تنموية كبيرة أن تعلن عنها في الجرائد الرسمية، مخاطبة جميع الخبراء والمختصين في مجال هذه المشروع، وليس المقربين منهم فقط، وتشكيل لجنة من هؤلاء الخبراء والمختصين، لعرض الأبحاث والدراسات والأفكار الجيدة، واختيار أفضلها، بموضوعية وحيادية، تلك التي تسهم بدورها في تنفيذ المشروعات المطروحة في أفضل صورة وأقل تكلفة وأقصر وقت ممكن.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضا:

هل كل ما نقرؤه في المجلات العلمية معلومات ونتائج صحيحة ودقيقة؟

كيفية كتابة البحث العلمي

العلماء ورثة الأنبياء

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب