كيف ستنتهي جائحة كورونا؟
هذا المقال هو محاولة لوضع تصور للكيفية التي يمكن أن تنتهي بها جائحة كورونا الحالية، وهو تصور يحوي عددا من التوقعات المبنية على قراءات في تاريخ الأوبئة الفيروسية السابقة مثل (فيروس الإيبولا وإنفلونزا الطيور والخنازير وفيروس هندرا والإيدز والسارس وكورونا الشرق أوسطية والحصبة والفيروس الكبدي سي وغيرها).
إن المتأمل في تاريخ الأوبئة الفيروسية السابقة سيلحظ تشابها كبيرا بين معظم هذه الفيروسات في طريقة ظهورها وانتشارها وكذلك الأعراض التي تسببها، وبالتالي فمن الممكن لنا ومن خلال تتبع الطريقة التي انتهت بها بعض هذه الأوبئة الفيروسية وضع تصور للكيفية التي يمكن أن تنتهي بها جائحة كورونا الحالية.
ولنعرض في بداية الأمر عددا من عناصر التشابه بين هذه الأوبئة الفيروسية:
أولا)
معظم هذه الأوبئة الفيروسية السابقة هي أمراض “حيوانية مشتركة”، أي أنها تصيب الحيوانات بالأساس وتنتقل بينها مسببة المرض، لكن وفي لحظة معينة _نتيجة لبعض التغيرات التي تطرأ على تركيبها وصفاتها_ تكتسب هذه الفيروسات القدرة على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان.
حدث ذلك سابقا مع فيروس هندرا الذي انتقل من الخفاش إلى الأحصنة ومنها إلى الإنسان، وكذلك مع فيروس إنفلونزا الطيور الذي انتقل من الطيور إلى الإنسان، وكذلك فيروس الإيبولا الذي انتقل من الغوريللا إلى الإنسان، وإنفلونزا الخنازير التي انتقلت من الخنازير للإنسان، والسارس من قط الزباد للإنسان، والإيدز من الشمبانزي للإنسان، وغيرها.
ثانيا)
تتشابه معظم الفيروسات المسببة للأوبئة في بساطة تركيبها، حتى إنه يمكننا تشبيه تركيب الفيروس إلى جوار تركيب خلية الإنسان بخيط من القماش إلى جوار حلة أو قميص محكم الخياطة والتطريز. وهنا تكمن المشكلة فهذه البساطة في التركيب لا تحافظ على ثبات شكل الفيروس ولا استقرار صفاته، بل تجعله عرضة وبشكل دائم للتجدد والتطور، يسمي علماء البكتيريا والفيروسات هذه العملية ب(الطفر).
وبالطبع فكلما زادت فرص انتقال الفيروس من شخص إلى آخر كلما زادت احتمالية الطفر هذه. إلا أن هذه العملية لا تصب _في أغلب الأحيان_ في مصلحة الفيروس واستمرار حياته، بل هي تجعله أكثر وهنا وأشد ضعفا. لكنه وفي بعض الحالات النادرة قد تكسب هذه العملية الفيروسات صفات إضافية جديدة تجعلها أكثر شراسة وأشد فتكا وقدرة على بدء نوبة جديدة من الوباء.
ثالثا)
تتشابه معظم الأمراض الفيروسية السابقة في الأعراض التي تسببها، ففي بداية الأمر يظهر المرض غالبا في شكل أعراض الإنفلونزا العادية أو أحد أدوار البرد كالعطاس والرشح وآلام الحلق والمفاصل وارتفاع درجة الحرارة، ثم تبدأ بعدها الأعراض المميزة لكل فيروس بالظهور كالنزيف الذي يسببه فيروس الإيبولا.
والجدير بالذكر أن ما يلفت نظر العلماء دائما إلى بدء حدوث وباء ما هو ظهور نفس الأعراض على مجموعة كبيرة من البشر في نفس الوقت ونفس المكان تقريبا، حتى إن بعض العلماء يشبه هذا الأمر بتساقط قطع الدومينو، وكلما امتلكت الأمم في هذه اللحظات قواعد بحثية وعلمية وطبية متطورة كلما امتلكت القدرة على سرعة اكتشاف الوباء ومسبباته والعمل على محاصرته بشكل سريع وكامل.
رابعا)
دائما ما تكون الأطعمة والمشروبات هي المتهم الأول عند ظهور أي وباء.
خامسا)
سهل السفر حول العالم من عملية انتشار بعض الأوبئة التي تنتقل بالرذاذ، وهو ما يحلو للبعض تسميته بسفر الفيروس بالطائرة أو السفينة حول العالم.
سادسا)
في معظم الأوبئة الفيروسية يكون القطاع الطبي من الأطباء والتمريض والفنيين هو أول من يدفع الثمن، وأول من يقدم ضحاياه من المرضى والوفيات.
ويبقى السؤال الأهم، كيف انتهت هذه الأوبئة السابقة؟
ربما تبدو الإجابة غريبة بعض الشيء بل وصادمة، وهي تكشف لنا ضعف الإنسان وجهله على كل ما بلغه من تطور علمي وتقني، فمعظم هذه الأوبئة الفيروسية السابقة انتهت بنفس الطريقة التي ظهرت بها، أي بدون تدخل مباشر من الإنسان وحتى بدون اكتشاف علاج مؤثر لها أو لقاح فعال ضدها، فقط كان اتخاذ الإجراءات الوقائية هو كلمة السر في انتهاء معظم هذه الأوبئة، ومن الغريب كذلك أن معظم هذه الأوبئة اختفى بنفس الطريقة وأحيانا بنفس السرعة التي ظهر بها.
وقد سبب هذا الاختفاء شبه المفاجئ حيرة كبيرة للعلماء على مر العصور، و أثار عددا من التساؤلات في أذهانهم، ترى هل اختفى الفيروس نهائيا، أم لا يزال قابعا في مكان ما لا نعلمه؟ هل يمكن للفيروس أن يعاود الظهور من جديد في لحظة ما؟ ترى ما السبب في اختفائه؟ وما هي الأسباب التي قد تؤدي إلى ظهوره مرة أخرى؟
إذا فالاحتمال الأكبر أن نهاية فيروس كورونا لن تختلف كثيرا عن سابقيه، فهو في غالب الأمر سيختفي قبل اكتشاف علاج له أو لقاح ضده، سيختفي فجأة كما ظهر فجأة.
ما الذي يدفع الفيروسات للاختفاء بهذه الطريقة المحيرة دون علاج أو لقاح؟
و هنا سؤال يطرح نفسه، ما الذي يدفع الفيروسات للاختفاء بهذه الطريقة المحيرة دون علاج أو لقاح؟ حاول العلماء وضع فرضيات لتفسير هذه الظاهرة، ومنها:
أولا)
كلما انتقل الفيروس من شخص لآخر كلما واجه أجهزة مناعية مختلفة، وهذا يقلل بدوره من قوة الفيروس وشراسته في عملية تشبه إلى حد كبير عملية الترويض، وفيها تقل قدرة الفيروس على إحداث المرض أو القدرة الإمراضية (pathogenicity) كما يسميها العلماء.
ثانيا)
وهو تفسير مبني على فكرة مفادها أن الفيروسات الذكية تحاول قدر الإمكان أن لا تقتل عائلها، فاستمرار العائل حيا يوفر للفيروسات مدة أطول وفرصة أكبر للبقاء والتكاثر، أما الفيروسات التي تقتل عائلها فإنها ستموت بالتبعية لأنها لن تجد بسهولة عائلا جديدا للعيش بداخله.
وبالتالي سيصبح أمام الفيروس أحد مسلكين، أولهما أن يقلل من شراسته مسببا قدرا ضئيلا من العدوى والمرض كي يحافظ على الإنسان (عائله) وبالتالي الحفاظ على بقاء حياته واستمرار سلالته، أو أنه سيظل شرسا للنهاية، وفي هذه الحالة سيتسبب في قتل عدد من البشر ذوي المناعة الضعيفه لكنه في النهاية سيموت معهم لأنه لن يستطيع الانتقال لإصابة أشخاص آخرين وبالتالي عدم القدرة على الحفاظ على حياته وسلالته.
يسمي العلماء هذه الظاهرة بقاعدة الطفيل الناجح، وشعارها “لا تقتل عائلك ولا تحرق جسورك إلا بعد عبورها”، وقد تناول عدد من العلماء هذه الفكرة في عدد من مؤلفاتهم، فيقول ويليام ه ماكنيل في كتابه أوبئة الطاعون والشعوب سنة ١٩٧٦ :”إن جرثومة المرض التي تقتل عائلها سريعا تخلق أزمة لنفسها، ذلك لأنه يجب العثور على عائل جديد بطريقة ما للإبقاء على استمرار سلالتها”.
كما كتب باستير: “أكثر الطفيليات كفاءة الذي يعيش في تناغم مع عائله”.
هل ذروة الفيروس تعني النهاية؟
إذن يمكننا في النهاية القول بأنه كلما اقترب الفيروس من ذروته كلما اقتربت نهايته، وسيصبح أمام فيروس كورونا أحد طريقين، إما أن سلالته الشرسة ستموت مع من ستقتلهم من البشر، أو أن السلالات الأخرى ستتراجع عن شراستها لتحافظ على بقائها.
ولا نملك في النهاية إلا أن نرفع أكف الضراعة للمولى عز وجل أن يرفع هذا الوباء سريعا.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.