مقالات

التضخم – أسبابه وآثاره على المجتمع والإنتاج والسياسة النقدية والمالية ومدى تأثيره على التنمية

نحاول في هذه السطور التكلم في موضوع حيوي وهو من الموضوعات التي تشغل بال كثير من الناس ونعاني منه في معيشتنا. إذًا ما هو التضخم؟ هو عرض مرضي يؤدي إلى الارتفاع والزيادة المستمرة، مثل التضخم الذي يحدث في أعضاء الإنسان ويؤدي إلى الأورام السرطانية وأحيانا إلى الوفاة.

ونعود اقتصاديا هو حدوث ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات في المجتمع ويكون هذا الارتفاع مستمرا وثابتا وعلى مدى زمني طويل، ويشمل كل السلع والخدمات داخل المجتمع.

ولنرى أسبابه من خلال الاقتصاديين ومن ثم تقسيماته، ومصر في أي مرحلة، ومن ثم آثاره على المجتمع والإنتاج والسياسة النقدية والمالية ومدى تأثيره على التنمية.

وقد اختلف الاقتصاديون والنظريات في ذلك:

 أولا: أنصار الفكر الكلاسيكي:

وهم أصحاب الفكر القديم أو الأوائل في الاقتصاد ترى أن كمية النقود هي التي تؤدي إلى التغير في المستوى العام للأسعارgeneral price ، وهي مجموعة السلع والخدمات المستخدمة أو المستهلكة في المجتمع من قبل الناس ويطلق عليها الطلب الكلي، بمعنى أن هناك علاقة طردية ومتلازمة بين كمية النقود والطلب على السلع، أي أن كل زيادة في الدخل يليها زيادة في الاستهلاك والطلب على السلع والخدمات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثانيا: الاقتصاديون النقديون:

وهم أصحاب الفكر النقدي أو المالي بغض النظر عن الجوانب الأخرى، يرون أن التضخم يرجع إلى الإفراط في إصدار النقود، أي طباعة النقود مع عدم وجود غطاء ذهبي أو نقدي من العملات الأجنبية وخاصة الدولار أو وجود إنتاج حقيقي داخل المجتمع.

ثالثا: الهيكليون:

وهم يرون التضخم نتيجة عدة مظاهر منها طبيعة عملية التنمية، ومتولدة من مشاكل اجتماعية مثل برنامج الإصلاح الاقتصادي، عدم تنمية الجهاز المالي للدولة بأفكار out of the box أي خارج الصندوق وتنمية الموارد المالية.

أنواع التضخم:

1-من حيث أسباب حدوثه إلى نوعين:

التضخم بسبب الطلب: ويرجع إلى زيادة السكان، محاكاة المجتمع للنمط الاستهلاكي الغربي، وتزايد الاستهلاك.

التضخم بسبب العرض (التكاليف): ويرجع إلى ارتفاع أنواع التكاليف المختلفة، وأسعار المواد الأولية غير المحلية، ومصادر الطاقة والوقود والمحروقات.

2-من حيث إمكانية ظهوره إلى نوعين:

التضخم المكشوف (الظاهر أو الصريح): ويعبر عن عدم وجود إجراءات حكومية أو من جانب الدولة والمؤسسات النقدية والمالية لمنعه أو التأثير في سرعة حدوثه.

التضخم المكبوت (غير الظاهر أو المفيد): ويعبر عن تدخل الحكومة لتحديد الأسعار بغرض تجنب حدوث موجة تضخمية مثل التسعيرة الجبرية للسلع المختلفة.

3-من حيث عنصر الديناميكية (سرعة وبطءالأسعار):

التضخم الزاحف يعبر عن ارتفاع معدل الأسعار بشكل بطيء (1% -2%) في العام.

التضخم الراكض يعبر عن ارتفاع معدل الأسعار بشكل سريع (7% -8%) في العام.

التضخم الجامح يعبر عن ارتفاع معدل الأسعار بشكل سريع جدا أكثر من (10%) سنويا، وقد حدث في ألمانيا عام 1923 حيث أدى التضخم إلى انهيار قيمة المارك الألماني.

4-وأخيرا: التضخم المستورد:

هو يعبر عن مدى تأثير العوامل الخارجية على مستوى الأسعار المحلية ومسبباته:

أ-ارتفاع كلا من الميل المتوسط والحدي للواردات (أي ارتفاع وزيادة الأسعار العالمية للواردات).

ب-زيادة اعتماد الدولة على العالم الخارجي في سد الفجوة الغذائية.

ج-اتجاه قيمة عملة الدولة إلى الانخفاض.

د-زيادة نسبة الاعتماد على مستلزمات من الخارج.

ه-زيادة نسبة المكون الأجنبي في برامج الاستثمار الوطنية.

قياس التضخم:

بالرقم القياسي للأسعار، الرقم التجميعي البسيط، الرقم القياسي المرجح.

أما الطرق الحديثة:

*معيار نسبة الفجوة التضخمية= قيمة الفجوة التضخمية/الناتج المحلي الإجمالي.

*معيار الضغوط التضخمية= معدل النمو في كمية النقود – معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي.

*معيار فائض الطلب= الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية – الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.

فى أي مرحلة نحن؟

نحن نتأرجح ما بين مرحلة التضخم الزاحف فى حين والراكض فى حين آخر.

آثاره الاجتماعية:

*انخفاض لأصحاب الدخول الثابتة من الموظفين والعاملين بالدولة والقطاع العام وعدم قدرتهم على مجاراة ارتفاع الأسعار.

*ارتفاع لأصحاب الدخول المتغيرة من مصنعين ومنتجين وتجار بسب رفع سعر السلع والمنتجات.

*التفاوت في توزيع الدخول والثروات وخروج فئات من طبقتها إلى الطبقة الأدنى مثل العليا للمتوسطة، والمتوسطة لمحدودة الدخل، ومحدودة الدخل إلى المعدومة.

*عدم الرضا والسخط في أوساط المواطنين وخاصة الشرائح الفقيرة والمتوسطة والدنيا.

*خسارة أصحاب الدخول الثابتة لانخفاض قيمة العملة، وبالتالي انخفاض اجورهم ورواتبهم مثل الموظفين والمدرسين.

*خسارة للدائنين حيث يحصلون على مستحقاتهم وقيمة ديونهم بانخفاض قيمتها لدى المدينين.

*عدم تمكن الأفراد من الادخار لعدم وجود فائض في الدخول.

*حدوث مشاكل اجتماعية في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع لتحول فئات إلى الطبقة الأقل وعدم قدرة الكثيرين على المعيشة.

*ظهور أمراض اجتماعية وعدم تحمل الكثيرين الضغوط التضخمية والمعيشية.

*عدم شعور الأفراد بالسعادة والرفاهية الاقتصادية.

آثاره على السياسة النقدية والمالية الخاصة وتأثيره على التنمية:

*عجز في ميزان المدفوعات (الصادرات والواردات) وبالتالي نقص في بعض المواد المستهلكة لارتفاع تكلفتها.

*ارتفاع فاتورة الواردات والمواد الخام والوقود ومشتقاته وبالتالي زيادة أسعاره على الناس.

*عجز في الموارد النقدية الأجنبية وانخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي.

*ارتفاع في الضرائب على المنشأت والأفراد.

*الاستدانة الداخلية من البنوك، والخارجية من الدول والمؤسسات الدولية.

*تأخر برامج التنمية بسبب ارتفاع تكاليف الفوائد على الديون الداخلية والخارجية.

*عدم شعور الأفراد بتحسن كبير في مواردهم المالية والنقدية.

أسباب حدوث التضخم:

*زيادة معدل نمو السكان وما يستتبعه من تفاقم مشاكل الغذاء وانخفاض مرونة عرض السلع الغذائية.

*محاكاة المجتمع للنمط الاستهلاكي الغربي.

*ارتفاع أسعار المواد الأولية غير المحلية، ومصادر الطاقة والوقود والمحروقات.

*تضارب السياسة النقدية والمالية وعدم الاستقرار الاقتصادي والنقدي.

*قلة الاستثمار والعملات الأجنبية.

*تراجع الصادرات والتحويلات الخارجية.

*قلة الإنتاج المحلي الحقيقي واتجاه المنتجين للمشاريع الاستهلاكية.

بعض المقترحات لحل مشكلة التضخم:

*زيادة الغطاء من الذهب والعملات الأجنبية لدى البنك المركزي.

*زيادة تحويل المصريين في الخارج من العملات الأجنبية.

*الاتجاه للمشاريع كثيفة الإنتاج والعمالة لتحقيق مستوى تشغيل أيضا.

*زيادة الاستفادة من المواد الخام المحلية باستخدامها في الإنتاج أو بيعها بأسعار تتناسب مع أهميتها، مثل القطن والمعادن الأخرى كالذهب، إلخ.

*تشجيع المشاريع متناهية الصغر للشباب والمرأة المعيلة والشيوخ وبذلك نحد من المشاكل المجتمعية أيضا.

*التوعية بتغيير السلوك الاستهلاكى للمجتمع.

*عدم استيراد كثير من السلع الترفهية والكمالية التي تضغط على الموارد الاجنبية.

*ربط العملة بسلة عملات متنوعة، دولار وين واسترلينى، إلخ.

*تشجيع القطاع الزراعي لتوفير العرض الغذائي بدعمه وعدم الإضرار باستيراد المنتجات الغذائية مثل القمح، إلخ.

*تخفيف الاستدانة الداخلية والخارجية بسبب تكلفة الفوائد على الدين.

*الكفاءة في الاستفادة من الموارد الطبيعية في البلاد.

*تشجيع قطاع السياحة بكافة أنواعها.

*تشجيع الاستفادة من قطاع الاستكشافات البترولية.

*تشجيع التوسع في قطاع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النظيفة.

*تشجيع الاستثمارات الخارجية وخاصة ذات السلع الرأسمالية والإنتاجية لعدم الضغط على العملة الاجنبية، وقلة الاستيراد وزيادة الرفاهية وعدم إصدار موارد مالية تضخمية أي يوازيها طرديا منتجات وسلع وخدمات.

أقرأ أيضا:

هل التنمية المنشودة تنمية اقتصادية أم اجتماعية؟

لاقتصاد والوعي والحلول التي تساهم في بناءه

التيار الإصلاحى هو ضمير المجتمع 

د. مصطفي أحمد جابر

مدرس الاقتصاد وإدارة الأعمال بكلية الزراعة جامعة الأزهر بأسيوط