مقالات

المحاولة والخطأ: منهج العلم في مواجهة كورونا (كوفيد19)

فور ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) أُلقيت على عاتق العلماء والمختصين مسئولية البحث عن علاج لهذا الفيروس الجديد الذي هدد جميع سكان الأرض بكافة طبقاتهم وألوانهم ولغاتهم وثقافاتهم.

منذ ذلك الوقت أخذ العلماء في البحث عن طريقة تمكنهم من التوصل إلى علاج ناجع لهذا الفيروس الجديد. وبعد البحث حول طبيعة هذا الفيروس والتعرف على تأثيره على الإنسان اتبع العلماء طريقة المحاولة والخطأ كمنهج لتقليل الإصابة بالفيروس وللتوصل لعلاج له.

إن المحاولة تعني اختبار الفرض تجريبيا أو نظريا للتأكد من صحته بعد جمع المعلومات الكافية عنه، والخطأ هو عدم نجاح هذا الفرض أمام بعض الاختبارات القاسية التي أخضعناه لها، وبعد ثبوت خطأ الفرض يبحث العلماء عن فرض آخر لإخضاعه للاختبار، وهكذا حتى يتوصل العلماء للفرض الأمثل أو الأقدر على الصمود أمام عديد من الاختبارات القاسية.

إن منهج المحاولة والخطأ فيما ترى الدكتورة يمنى الخولي هو أسلوب التعلم، أسلوب تعرف الكائن الحى على بيئته. وقد تطور تدريجيا حتى بدأ في اتخاذ سمة المنهج العلمي التجريبي الحديث، الذى هو على وجه الدقة: منهج الحدوس الافتراضية الجريئة (المحاولة) والاختبارات العلمية الحاذقة البارعة لتكذيبها وتصويب الخطأ فيها. إن الهدف من حدوث الخطأ هو التعلم من أخطاءنا لعدم تكرارها؛ بهذا يتقدم العلم ويسير إلى الأمام.

وفي ضوء منهج المحاولة والخطأ أحاول في هذه المقالة أن أناقش قضية فيروس كورونا بين الوهم والحقيقة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بين الوهم والحقيقة

لا أدري لماذا كلما فكرت في هذه القضية وتأثيرات فيروس كورونا الجديد على العالم وإلحاقه أضرارا كبيرة بغالبية دول العالم أجد أن هناك فرضيات ثلاثا حول هذا الفيروس: تزعم الفرضية الأولى أنه لا يوجد فيروس جديد، وأن ما يشاع إنما هو وهم أو أكذوبة أطلقها قادة العالم لبث الرعب، أو لتحقيق بعض الأهداف الغامضة التي لا يعرفها إلا القليل ممن يديرون هذا العالم البائس في الخفاء.

والفرضية الثانية تزعم أن هذا الفيروس حقيقة تسبب في جائحة حقيقية لم يستطع العلماء حتى الآن التوصل لعلاج لها، أظهر ضعف أباطرة العالم وعباقرته أمام مخلوق لا يٌرى بالعين المجردة. جاء هذا الفيروس الجديد ليثبت للعالم أجمع وهن وزيف التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل الذي نتباهى ونتبارى به ليل نهار.

أما الفرضية الثالثة فتدعم رؤية مفادها أن هذا الفيروس الجديد حقيقة وليس وهما تسبب في جائحة أرعبت جميع سكان العالم وأبقتهم في منازلهم قابعين خلف شاشات أجهزتهم يترصدون بصيص أمل انقشاع هذه الغمة، لكن الفرضية الثالثة هذه لا تصدق بعجز العلماء عن التوصل لعلاج لهذا الفيروس الجديد، بل ترى أن خلف هذا التأخير الكبير للإعلان عن العلاج سياسات عالمية كبيرة وأيديولوجيات مغرضة موجهة لخدمة أهداف دولة معينة أو نظام بعينه.

الفرضية الأولى

وفي ضوء الحراك العلمي والفكري والثقافي العالمي حول جائحة كورونا أرى ضعف الفرضية الأولى، حيث أقر العلماء معمليا بوجود الفيروس الجديد وثبوت إصابة عديد من سكان العالم به حتى وصل الأمر لظهور أعراضه على أقرب الناس لكل فرد منا. كذلك يشير تبادل الاتهامات بين بعض دول العالم حول موطن انتشار الفيروس وسبب ظهوره إلى حقيقة وجوده.

الفرضية الثانية

أما الفرضية الثانية والتي تقر بوجود الفيروس وعجز العلماء عن التوصل حتى الآن لعلاج ناجع له، بخلاف بعض المحاولات التي تسهم في تقليل وطأة الأعراض الناجمة عنه.

على الرغم من أن التاريخ الحديث أثبت عجز العلماء عن اكتشاف علاج ناجع لبعض الأمراض المستجدة إلا أن التاريخ نفسه أثبت أيضا نجاح العلماء في التوصل إلى لقاحات أو أمصال لمكافحة هذه الأمراض، فلم يعجز الطب كلية عن مواجهة الأمراض المستحدثة، بل قدم أفضل الحلول المتاحة في أزمنة قياسية على الرغم حينها من عدم توافر الإمكانات المتاحة للعلماء الآن.

فعجز العلماء عن التوصل إلى أية وسيلة لمواجهة فيروس كورونا المستجد رغم هذا التقدم العلمي والتكنولوجي أمر لا يقبله عقل. ومن ثم يؤدي هذا الأمر من وجهة نظري إلى ضعف الفرضية الثانية.

الفرضية الثالثة

من ثم أرى أن الفرضية الأقرب للصواب هي الفرضية الثالثة التي تقر بحقيقة وجود الفيروس الجديد لكنها لا تؤمن بعجز العلماء عن التوصل لوسيلة مناسبة لمواجهته، سواء كانت هذه الوسيلة دواء أو لقاحا أو مصلا.

تزعم تلك الفرضية أن خلف هذا الأمر سياسيات دولية كبيرة تسيطر على عملية البوح بالتوصل لعلاج لفيروس كورونا المستجد.

فالتفكير المنطقي يشير إلى أن من أسباب تأخر الإعلان عن هذا العلاج في ظل هذا التطور العلمي والتكنولوجي الهائل، وفي ظل السباق الدائر بين الدول والفرق البحثية المختلفة أهداف وغايات سياسية غير معلنة ربما يتم الكشف عنها يوما ما، وقد تتسبب هذه الأهداف والغايات في تأسيس نظام عالمي يختلف عن النظام الذي كان قائما ما قبل كورونا.

وفي نهاية مقالتي هذه يجب علينا التأكيد على أن أخلاقيات العلم تقتضي ليس نشر النتائج التي توصل إليها العلماء بخصوص علاج فيروس كورونا المستجد فحسب، بل تدابير البرهنة على تلك النتائج، حيث تسهل هذه التدابير مهمة القضاء على هذا الفيروس، وكذلك التصدي للفيروسات التي قد تظهر في المستقبل.

اقرأ أيضا:

الوصمة الاجتماعية في ظل تفشي فيروس كورونا (كوفيد19)

الخبر بين الادعاء والحقيقة

كورونا في زمن العولمة

د. وائل صبره

عضو هيئة تدريس بجامعة سوهاج، مدرس الفلسفة ومناهج البحث كلية آداب