مقالاتأسرة وطفل - مقالاتفن وأدب - مقالات

برامج المقالب بين الظلم والقبح – حوار مع أطفال

ينطلق شهر رمضان الكريم فتنطلق معه جملة من المسلسلات والبرامج الجديدة، فأردت أن اشاهد حلقة من إحدى برامج المقالب الشهيرة رغبة فى معرفة أحداث البرنامج ثم التوقف عن المشاهدة لأسباب عدة، لكن الحلقة الواحدة أثارت في نفسي حالة من الغضب والإستياء الشديد لما رأيت من مشاهد سادية لفرد يستمتع بإهانة الضيوف وإجبارهم وهم مقيدين على فعل ما يأمر به، وتلك أمور لا يستمتع بها إلا كل فرد غير سوي.

وما إن إنتهت الحلقة حتي طلبت من أسرتي ألا يشاهدوا ذلك البرنامج مرة أخري، حتي لا تعتاد أختاي البنات على مشاهدة مثل ذلك، ولا ندعم البرنامج عن طريق زيادة نسبة المشاهدة.

حوار مع الأطفال

فدار الحوار التالي مع اختاي البنات، ذاتا العشر أعوام، والثماني أعوام بعد دقائق من طلبي لهما بعدم مشاهدة البرنامج مرة أخرى.

سألت: ليه قولتلكم من شوية ما تتفرجوش على البرنامج ده تاني؟
أجابتا:علشان هو بيخض الناس.
– وايه المشكلة لما يخضهم؟
– ربنا هيخضه يوم القيامة علشان يجيب حقهم.
– وليه ربنا يخضه يوم القيامة، ما احني بنتبسط لما بنتفرج على الضيوف؟
– علشان اللي بيتعمل فيه المقلب ده إنسان زينا وبيحس، وما ينفعش نؤذيه .. ده بيتكهرب ويقع يتعور في الحفرة.

فسألت متعجبا: ما هو اللي بيتاذي مش أنتم، يبقي انا ليه قولتلكم ما تتفرجوش!؟
أجابتا: ترضي حد يعمل فيك كده؟
– لا طبعا. آه, تقصدوا اللي ما رضهوش على نفسي مارضهوش على غيرين، ولو غيري في موقف سىء احط نفسي مكانه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فاستطردت أسأل: بس هو ينفع برده أكون سبب في ألم إنسان باي شكل تاني غير المقالب؟
أجابتنا: برده لا.
– صح الإنسان لازم يساعد أخوه الإنسان ويخفف عنه ألمه بدل ما يكون سبب فيها.

مزيد من التساؤل

* بعد دقائق من التفكير عدت اطرح المزيد من الأسئلة.

سألت: هو البرنامج ده حقيقي ولا تمثيل؟

– حقيقي.
– طيب واللي بيحصل جوة البرنامج, ممكن يبقى متفقين أنهم يمثلوه ولا مش متفقين؟
– لا، مش متفقين.
– أنتم على يقين 100%؟ يبقي لازم يبقي عندكم دليل 100%، قولولي ايه دليلكم؟

– علشان الناس بتتخض حقيقي.
– ما ممكن يكون ده تمثيل، أو عارفين أن في مقلب هيحصل فيهم بس مش عارفين التفاصيل؟

أجابتا: ممكن صح.
فقلت: ممكن .. وده اسمه ظن، يعني في الغالب ده حقيقي وفي احتمال يبقى مش حقيقي، وده الفرق بين اليقين والظن.

ثم سألت: طيب تيجي نفترض ان ده مش حقيقي ومجرد تمثيل، ايه بقى المشكلة لما اتفرج واتبسط مادام ما فيش حد فعلا بيتأذى؟
– مش عارفين، قول أنت.

فطرة الإنسان تدفعه إلى حب الجمال

– فيه سببين يخلوني ما اتفرجش على البرامج دي، هقولكم عليهم بس الأول عاوز اعرف، هو الإنسان بيحب العدل بانه ياخذ حقه ويدي الناس حقوقهم، وبيحب الجمال فى أنه يشوف المناظر الجميلة (العدل هو إعطاء كل ذى حق حقه، والجمال هو ما يبعث فى النفس الشعور بالإعجاب والرضى والسرور)، ولا بيحب الظلم والقبح؟
أجابتا: بيحب العدل والجمال.
– علشان كده أول سبب هو إن البرامج دي ضد الفطرة؛ لأنه بتحرم الناس من حقهم في أنهم يعيشوا في أمان، وكمان بيفرجونا على مشاهد كلها بكاء وصريخ من الخوف والألم وحيوانات مخيفة وناس شكلهم مبهدل من اللي بيحصل فيهم، مع الإستهزاء منهم بالكلام.
– آه صح.
– طيب ولما اقعد اتفرج على حاجة ضد فطرتي، ممكن الفطرة تتغير ولا لا؟
– آه ممكن، زي ابن الجيران بيقعد يتفرج على كرتون ضرب ويسمع شتايم وبيفضل يعمل كده مع اصحابه.
– بس هو لو كان اتعود ما يشفش الحجات دي كان هيعملها من نفسه؟
– لا.
فقلت: علشان كده مش لازم نشوف اي حاجة فيها ظلم أو قبح زي العنف و الدم وأذيه اي كائن حى (حتي الحيوان), لأننا مع الوقت هنتعود على كده ولما نشوفه مش هندافع عن المظلوم، وممكن كمان نقلده، ونستمتع لما نرهب غيرنا، ونتنمر على شكله ولبسه وسلوكه.

نيجي بقي للسبب الثاني، ايه تاني يخلينا ما نتفرجش على برامج زي دي حتى لو تمثيل.
قالتا فى ملل من الحديث: كفايا كده.
قلت: لا، مش كفايا، لازم كل حاجة تحصل نقعد نفكر فيها كويس.

مزيد من الفهم

* وبعد تبادل قصص تدعم ما قولته سابقا اكملت حديثي.

سألت: قولولي بقي، بتستفادوا ايه لما بتتفرجوا على البرنامج؟
أجابتا: مش بنستفاد حاجة، بنتفرج عادي.
فقلت: فى واحد اسمه ابن عربي بيقول: ” كل فن لا يفيد علماً لا يعول عليه”.
قالتا فى دهشة: إيه اللي بتقوله ده، قول كلام نفهمه.
– أنتم صح، أي حد بيقول كلام مش مفهوم اطلبوا منه يشرحه الاول .. معنى الكلام أن أي حاجة بنتفرج عليها أو بنقرأها أو بنسمعها  لو مش هنستفاد منها علم ينفعنا يبقى الحاجة دي ما ينفعش نعتمد عليها لأننا مش هنستفاد منها فى حاجة تنفعنا دنيا وآخرة، وكل اللي مش هيفيد دنيا وآخرة ملهوش لزمة، ومضيعة لنعمة الوقت.

ثم سألت محاولا أن أضع بديل لما صنفناه شر: طيب التلفزيون ممكن يقدم لنا ايه مفيد؟
– معلومات نتعلمها.
– ايوه صح، ممكن نتعلم مثلا 3 حجات:
1- مسلسل أو فيلم أو برامج تاريخية نعرف منها قصص التاريخ علشان نتعلم منها دروس وعبر (تفرع الحوار لمعني التاريخ وما هي الدروس والعبر التي يمكن الإستفادة منها).
2- مسلسل أو فيلم أو برامج تناقش وتحل مشاكل موجودة في الوقت الحالي، أو بيعلمنا علوم نستفاد منها في التفكير والدين …. إلخ.
3- مسلسل أو فيلم أو برامج تفيد المستقبل .. قولولي بقي ممكن تفيد المستقبل إزاي؟
أجابتا: يعلمنا إزاي نخطط صح للمستقبل.
قلت: صح، وكمان نحاول نعرف ايه المشاكل اللي ممكن نقابلها ونحطلها حلول علشان لو المشكلة حصلت الحلول تكون موجودة.

الملخص:

* من الإنسانية أن يضع الأنسان نفسه دائما في موضع الآخر, ولا يرضى لغيره أبدا ما لا يرضى لنفسه، لأن عكس هذا السلوك هو تصرف حيواني يقدم المنفعة الشخصية على مصلحة الأخرين ولو أدى لضررهم مثلما يفعل الحيوان مع الحيوان, فإذا كانت هذه المشاهد السادية تدخل علينا السرور ولا نلتفت لما يحدث للضيوف فهذا خطأ كبير.
من واجب الإنسان أن يخفف عن غيره معاناته، ويتألم لألمه، وما يحدث في البرنامج هو إحداث ألم للغير، بدل من إدخال السرور عليه.
* هناك فرق بين اليقين والظن، اليقين يكون بدليل جازم بنسبة 100%، الظن هو ترجيح أحد احتمالين على الأخر، ولا يحسن أن نتعامل مع الظن على أنه يقين، ومثل هذه البرامج لا يمكن أن نجزم على أنها حقيقة إلا بدليل يقيني.
* إذا اعتاد الإنسان على مشاهدة ما ينافى فطرته من ظلم وقبح، فإن فطرته مع مرور الوقت سوف تتبدل، ويعتاد الظلم والقبح كما لو كان أمر طبيعي، بل قد يمارسه ويستمتع به بعدما كان ينفر منه.
* يقول ابن عربي ” كل فن لا يفيد علماً لا يعول عليه”.

*هذا الحوار لم ينقل بالحرف، بل نقل بقدر المستطاع كما دار، مع تعديلات بسيطة.

اقرأ أيضا:

اللغة التي يفهمها كل البشر

الفطرة السليمة تحتاج طريقاً ممهداً ليرى جمالها العالم

 تأثير الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار

مصعب طارق

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة