كورونا في زمن العولمة – عن المادية والإنسانية وكيف سينتهي العالم!
هاجس يهدد الجميع
فيروس كورونا المستجد”كوفيد 19″ أصبح حديث الجميع وهاجس الجميع أيضا خاصة بعد إعلان منظمة الصحة العالمية كورونا وباء عالميا، وبعد تفشيه الكبير في دول العالم واستمراره في حصد أعداد الكثير من الأرواح؛ حيث بلغت عدد الإصابات المسجلة به حول العالم 244526 إصابة ، وعدد الوفيات 10009 حتى لحظة كتابة المقال.
وعلى الرغم من أن البشرية قد عاشت تجارب وبائية أسوأ من كورونا فيما يخص القدرة على الفتك بالإنسان؛ حيث تبلغ نسبة الوفاة بفيروس كرونا المستجد”كوفيد 19″ 2.3% وتزيد نسبة الوفاة في كبار السن،
بينما فيروس سارس نسبة الوفاة منه 10% وإيبولا يصل لـ 90%، نقول على الرغم من عدم كونه التجربة الأصعب أو الأسوأ، إلا أن هناك بعض العوامل الخاصة بالفيروس والأخرى الخاصة بطبيعة عالمنا حاليا تشكل مصادر خطورة حقيقية للفيروس.
خطورة الفيروس الحقيقية
فيما يخص الفيروس، فللأسف قدرته على الانتشار بشكل واسع وسريع تهدد بإصابة أعداد كبيرة في وقت قليل مما يرفع من إجمالي حالات الوفاة بالنظر لعدد المصابين الكبير، وأيضا قدرته على التسبب بمضاعفات خطيرة تحتاج لعناية صحية مركزة وبسبب انتشاره السريع
وبالتالي القدرة على إصابة أعداد كبيرة، وبالضرورة أعداد كبيرة أيضا ستحتاج لعناية صحية مركزة بالمستشفيات مما يُهدد قدرة المراكز الصحية على استيعاب الأعداد وتوفر الأدوات الطبية اللازمة وهو أحد أهم التحديات التي يواجهها العالم حاليا.
وفيما يخص طبيعة عالمنا حاليا، فبعد أن صرنا نعيش زمن العولمة وذوبان الحدود بين الدول والتبادل الكبير الاقتصادي والثقافي والسياسي وغيره بينها،
فقد أصبح من العسير جدًا أن تعيش دولة معينة فقط أزمة الوباء بمفردها، فالعالم الذي بات قرية صغيرة سيتشارك الأفراح والأحزان أيضا! وخاصة مع فيروس بمواصفات “كوفيد19” سريع الانتشار، وعليه فلا يمكن لأحد النأي بنفسه!
نحن جميعا في هذه الأزمة معا وعلينا أن نواجهها معا إذا أردنا النجاة!
طبعا لا يمكن إنكار دور وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في التهويل والتضخيم من حجم الموقف، وتصوير الفيروس بالمرض الذي لا يمكن السيطرة عليه ولا النجاة منه،
على الرغم من أن نسبة شفاء المرضى ليست قليلة، والصين أعلنت رسميا السيطرة على الفيروس ولم تسجل أي إصابات محلية به أمس19 مارس للمرة الأولى منذ بدء الأزمة.
فيروس كورونا المستجد أظهر وجه المادية القبيح جدا للعالم
تلك الرؤية التي لا تعترف إلا بما هو ماديّ ملموس، بالأرصدة البنكية وأسعار الأسهم بالبورصة، حيث لا قيمة للإنسان إلا بما يمثله من عامل نمو اقتصادي وزيادة أرباح وصوت انتخابي يضمن للمرشح البقاء في السلطة، أما فيما عدا ذلك فالكثير سوف يفقدون أحباءهم كما صرح بذلك “بوريس جونسون” رئيس الوزراء البريطاني.
في الوقت الذي واجهت فيه الصين تفشي فيروس كورونا وسخَّرت الدولة كل إمكانياتها لاحتوائه وفي عالمنا هذا الذي لا مجال فيه لإخفاء شيء كان الجميع على علم بما يحدث في الصين وبانتشار الفيروس،
صحيح المعلومات المتاحة عن الفيروس كانت قليلة كونه جديدا وحتى الآن ما زالت الأبحاث جارية لاكتشاف المزيد عنه، إلا أنه على الأقل سرعة انتشاره كانت موثقة، في هذا الوقت كان لسيد البيت الأبيض رأيا آخر!
بداية من التقليل من خطورة الموقف والاستهانة به ومقارنته بالإنفلونزا العادية وعدم اتخاذ تدابير احترازية للحد من انتشاره في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بل بالعكس استمرار الحملات الانتخابية وإعلان “ترامب” أن التجمعات الانتخابية مستمرة، وصولا للعنصرية ! وحتى الآن يصف “ترامب” الفيروس بالفيروس الصيني!
ومرورا بطريقة ترصد المرض المتبعة في الولايات المتحدة والتي لا تكشف عن الكثير من أعداد الإصابات في المجتمع، والتحذير من انهيار النظام الصحي وعدم قدرته على استيعاب الأعداد الحقيقية المحتملة الإصابة وهو رأي الأطباء الأمريكيين أنفسهم!
دول الاتحاد الاوروبي لم تختلف كثيرا عن أمريكا
تلك الذهنية في التعامل مع التأخر في اتخاذ التدابير الوقائية الصحيحة “خوفًا على الخسائر الاقتصادية” جعلت الولايات المتحدة تستفيق على عشرات آلاف الإصابات المعلنة وهذا العدد لا يمثل عدد الإصابات الفعلي في المجتمع والذي قد يصل لأضعاف مضاعفة!!
تلك الذهنية لا تختلف كثيرا عن المتبع في دول الاتحاد الأوروبي، فالمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” خرجت لتخبر شعبها أن 60-70% من الألمان سيصابون بالفيروس،
و”بوريس جونسون” رئيس الوزراء البريطاني صدم البريطانيين بأن المزيد من العائلات ستفقد أحبتها وأن خطة الحكومة للتعامل مع تفشي الوباء هي بتركه ينتشر في المجتمع
فيكتسب الأفراد مناعة ضده وهو ما لا تؤكده الأبحاث الطبية حتى الآن من أن الإصابة بالفيروس مرة تعني بالضرورة مناعة منه طوال الحياة!
وضع الدول الأوروبية أصبح خطرا وقد أكدت ذلك منظمة الصحة العالمية بإعلانها أوروبا بؤرة الفيروس الجديدة، والبطء والتخاذل والأنانية والتفكير فقط في الخسائر الاقتصادية والخوف على الانتخابات الذي يسيطر على قادة تلك الدول ينبئ بكارثة حقيقية!
من فرنسا التي صممت على إجراء الانتخابات البلدية في ظل ظروف تفشي كورونا إلى ميركل ألمانيا التي رفضت قرار ترامب “المتأخر” بمنع السفر لدول الاتحاد الأوربي لأنه سوف يتسبب ب “إرباك اقتصادي”
إلى رفض مد يد العون للجارة إيطاليا التي يفتك الفيروس بشعبها مسجلة يوميا مئات الوفيات ورفض تقديم العون لصربيا التي خرج رئيسها لينعي التضامن العالمي والتضامن الأوروبي خاصة ويصفه بأنه خيال لا واقع!
كورونا يكشف الوجه القبيح
أمريكا والدول الأوروبية التي تتعلل بعجز النظام الصحي على ترصد واستيعاب أعداد كبيرة تقدم مئات مليارات الدولارات لدعم الشركات بسبب الخسائر الاقتصادية نتيجة لتفشي الفيروس!
أليس القطاع الصحي حاليا أولى بالدعم في ظل تلك الظروف القاسية؟! أم أن كفة الدولار والربح ترجح دائما في مقابل حياة الإنسان؟!
وللمفارقة الغريبة فقد أمطرتنا السينما الأمريكية بالأفلام التي تتحدث عن نهاية العالم ليأتي المنقذ الأمريكي لينهي مأساة البشرية وصراعها وينتصر! إلا أنهم كما يبدو لم يستعدوا للسيناريو الواقعي!
تلك العقلية المادية والأنانية التي تقود الدول التي لطالما تغنت بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغزت بلداننا بحجة الدفاع عن الحريات ونشر التمدن والديمقراطية
كشف كورونا حقيقتها القبيحة، وإن كنا كشعوب عربية وإسلامية نعلم جيدا تلك الحقيقة وجربناها بأنفسنا إلا أنهم حاليا يخذلون مواطنيهم ويبيعونهم في سوق المال أيضا!
التعامل بمادية وأنانية سوف يهلك الجميع
والابن البار لتلك الرؤية المادية العنصرية هي دولة الاحتلال الإسرائيلي التي قامت على رفات شهداء فلسطين وأنقاض بيوتهم، واليوم تمنع عن الأسرى الفلسطينيين في سجونها المطهرات والمنظفات وغيرها من الأدوات الوقائية اللازمة لحمايتهم من فيروس كورونا
وللأسف تم إعلان إصابة بعض الأسرى به ومن المحتمل أن يكون المتسبب في عدواهم هو السجان الإسرائيلي ما ينبئ بخطر حقيقي على حياتهم في تلك المعتقلات!
وهو نفس الحصار والتجويع والقتل الذي ربما يصل للتعمد في تلك الظروف والذي تفرضه أمريكا على فنزويلا وإيران وغيرها من الدول المفروض عليها عقوبات اقتصادية أمريكية
تمس حتى الصناعات الدوائية والغذائية في ظل انتشار فيروس كورونا في إيران ما يهدد باستمرار وجود بؤرة للفيروس ما لم تتمكن الحكومة الإيرانية من السيطرة عليه! ورفض صندوق النقد الدولي تقديم قروض لفنزويلا لمساعدتها في السيطرة على فيروس كورونا!
تلك الرؤية المادية عبرت عن نفسها أيضا في عربات التسوق المكدسة بالسلع الغذائية التي يخزنها البعض القادر ماديا بالطبع متناسي تماما غيره غير القادر على ذلك وغير مبالي بمن يليه في طابور الانتظار والذي لن يجد ما يشتريه ما قد ينذر بحصول نقص حاد في الغذاء!
ونفس الأمر في المطهرات والكمامات حتى اختفت من بعض الأماكن، وتظهر أيضا في استغلال الأزمة وزيادة أسعار المطهرات والمعقمات لتحقيق الأرباح!!
في حقيقة الأمر التعامل بمادية وأنانية لن يضمن لنا النجاة بالتأكيد بل سيضاعف أعداد الخسائر مرات عديدة سواء أكانت بشرية أو مادية، وليس هناك سبيل لتجاوز المحنة إلا بالتضامن والتعاون
فمن الواضح أن الفيروس لا يفرق بين صيني وأمريكي وياباني وإيراني، أو بين غني وفقير، أو بين رئيس دولة عظمى وشعب مظلوم!
لا سبيل للخروج سوى تغليب الفطرة الإنسانية العاقلة المحبة للخير والحق والمتجاوزة للمصالح المادية الضيقة، والتي تعنى بالإنسان في المقام الأول.
الأمل في الإنسانية العاقلة
الأمل في الإنسانية العاقلة التي مدت يد العون للدول الموبوءة.
الإنسانية العاقلة التي توفر المعقمات والمطهرات بالمجان أو بأسعار زهيدة، والتي تقوم بحملات التوعية عن طرق الوقاية والتي تتعهد بتكفل الفقير والذي لم يستطع العودة لبلده في ظل ظروف تعليق السفر، والتي تتعامل بمسئولية تجاه غيرها فتلتزم بإجراءات الحجر الصحي والعزل.
الإنسانية العاقلة التي تتمثل في الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي الذين يحملون على عاتقهم رسالة حماية البشرية حاليا ويواجهون الخطر في مقدمة الصفوف.
الإنسانية العاقلة التي لن تحتكر اللقاح أو الدواء فتترك المرض يفتك بغير أبناء شعبها أو بمن لا يستطيعون الدفع في وهم مريض بأنهم يمكنهم النجاة بمفردهم وليذهب غيرهم إلى الجحيم.
الأمل في الإنسانية العاقلة التي ستقسم رغيف الخبز مع جارها وتقتسم زجاجة الكحول المطهر وتتشارك الدواء والخبرات والأدوات اللازمة لتجاوز المحنة، أما المادية والأنانية وضيق الأفق فحتما سيؤدي بنا إلى الهاوية!
أخيرا، يقينا سنتجاوز تلك المحنة إن شاء الله فخالق هذا العالم العادل الحكيم والخير لم يرد به إلا الخير والعدل ووعد أنبيائه بتحقق العدل والخير قائم وسيتحقق، وبالفعل تحققت نجاحات على صعيد السيطرة على الفيروس.
لكن علينا أن نأخذ العبر والدروس وهي واضحة تماما!
علينا أن نعرف أن المادية والأنانية لا تصلح لقيادة العالم وأنها حقا هلاك الإنسانية!
_____
للمعلومات حول فيروس كورونا وطرق الوقاية ، زوروا موقع منظمة الصحة العالمية:
https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019
اقرأ أيضا:
تخبط ترامب والتخاذل في مواجهة الفيروس
نظرة الرأسماليين أصحاب الشركات الكبرى للكوارث وكيفية تعاملهم معها