تخبط ترامب – لماذا لا لم تقم الدولة بدورها على أكمل وجه في مواجهة الفيروس يا سيد “ترامب”؟
ذكرني موقف “ترامب” من تفشي كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية بـ “النيو ليبرالية” وهي الصورة المتطرفة من الليبرالية، و”النيو ليبرالية” تذهب إلى تقليص دور الدولة، بل من الأفضل عدم تدخلها بالكلية وقت اشتداد الأزمات الاقتصادية، ويترك السوق لقوانين الاقتصاد القائمة في الأساس على العرض والطلب، فهذا وحده هو القادر على ضبط حركة السوق واستقرار الاقتصاد.
قبل تسيد النظرية “النيوليبرالية”
هذا التوجه موجه بالأساس ضد “النظرية الكينزية” لصاحبها الاقتصادي البريطاني “جون مينارد كينز”، والتي تذهب إلى أهمية دور الدولة وتدخلها عند الضرورة في الأزمات الاقتصادية من أجل إنقاذ الاقتصاد من كبوته بالحوافز الاقتصادية التي تقدمها الدولة، ولا تترك الدولة الاقتصاد لقوانين السوق عند الأزمات.
وقبل تسيد “النيوليبرالية” للمشهد كانت “النظرية الكينزية” يُعمل بها لفترة طويلة من الزمن، وبعد أن عفى الزمن على “النظرية الكينزية” وتسيدت “النيو ليبرالية” وارتهان الاقتصاد لقوانين السوق – حدثت الكارثة الاقتصادية العالمية الكبرى فيما يعرف بـ “الأزمة المالية العالمية 2008″، والتي بسببها أُغلقت أسواق مال وأفلست شركات ودول.
عقلية الاقتصادي النيوليبرالي
“ترامب” من منظري “النيوليبرالية” والمؤمنين بها، إنه يتعامل مع أزمة كورونا بعقلية الاقتصادي النيو ليبرالي، إنه يتعامل مع هذا الوباء باستخفاف لضمان استمرار الأمريكيين في العمل رغم خطورة ذلك، حتى لا يتأثر الاقتصاد وتقل الأرباح!
في أول الأمر ينكر المرض ويقول إنه كالإنفلونزا العادية، وسريعا مع حلول الصيف سيُقضى على هذا المرض، ويذهب إلى أن كورونا خدعة الديمقراطيين، وأنهم اتفقوا -أي الحزب الديمقراطي- مع الصين لنشر الوباء في أمريكا والذي يسميه بالفيروس الصيني!
“ترامب” يهاجم حاكم نيويورك “أندرو كومو” لأنه يزود المهتمين بأزمة كورونا بالأعداد الصحيحة للمصابين! ولا يملك حاكم نيويورك إلا أن يرد على ترامب: “لا تجوز المفاضلة بين الأرواح والاقتصاد” فقد فهم طريقة تعامله مع الأزمة.
“ترامب” فكك خلية مرتبطة بالأوبئة والأمراض المعدية تتكون من خمسين طبيبا كان قد أنشئها الرئيس الديمقراطي السابق “أوباما”، وأغلق سبعة عشر مركزا طبيا متخصصا في الأوبئة والأمراض المعدية كانت الولايات المتحدة الأمريكية في أمس الحاجة إليها الآن!
ترامب يضع الأولوية للاقتصاد
“ترامب” عندما هوجم بسبب طريقة تعامله مع المرض حرص بعد ذلك على أن يحضر معه في مؤتمراته الصحفية أشهر طبيب متخصص في الأوبئة والأمراض المعدية “أنتوني فوتشي”، ثم لم يستمر هذا الوضع كثيرا فقد اختلف الطبيب مع “ترامب” لسوء إدارة الأخير للأزمة.
وعندما سأل أحد الصحفيين “ترامب” عن صحة خبر ذلك الاختلاف ما كان من “ترامب” إلا أن عنف الصحفي تعنيفا شديدا ووصفه بالسئ قائلا إنه إذا تركت الساحة للأطباء سيقفلون البلاد وبالتالي سيخرب الاقتصاد!
وأخيرا وليس أخرا ترامب يطلب من نائبه “مايك بينس” أن يصلي من أجل زوال الوباء! فلماذا لا لم تقم الدولة بدورها على أكمل وجه في مواجهة الفيروس يا سيد “ترامب”؟ الدولة عند النيو ليبراليين ليست الدولة بمفهومها الطبيعي، ولكن الدولة عندهم هي استقرار الاقتصاد وتعاظم الأرباح!