سجن افتراضي – خطورة وسائل التواصل على الأفراد
أثر وسائل التواصل على الحياة اليومية
وسائل التواصل الاجتماعي لها أثر كبير في الحياة اليومية؛ فهي باتت جزءًا رئيسًا في حياة الأفراد، فتَجَوَّل ببصرك وأنت تسير، أو في وسائل المواصلات وأحصِ عدد من يمسك بهاتف ذكي ويتطلع فيه ناسيًا كل ما حوله ومركزًا كل تركيزه في لعبة أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتويتر وسناب شات. فما كان منذ عقدين يُعدُّ تَرفًا، أصبح اليوم ضرورة لازمة-كما صورها لنا مُصدّروها-.
ولا جدال في أهمية تلك المواقع إن تم استخدامها في جلب منفعة أو دفع ضرر ما، لكن أن تصبح مَلهاة ومضيعة للوقت وللأسف فإن الكثير يضيع وقته ويستنفذ أوقاته وعمره في ما لا ينفع من تصفح عشوائي ومن تواصل غير مفيد مع أصدقاء افتراضيين؛ لا نعلم مدى صدقهم أو مَن هم ، وهل هم صادقون فيما يقولونه أم لا؟. وتجد أحدهم يقول متفاخرًا أنَّ لديه أكثر من ثلاثمائة صديق على الفيس بوك وتبحث عن أصدقائه في الحقيقة فلا تجد أحد.
كيف فصلت وسائل الاتصال الأفراد عن الواقع؟
والمشكلة الأكبر تظهر فيما فعلته تلك المواقع في انفصال الفرد وعزلته عن مجتمعه؛ بل عن عائلته، ففي الأسرة الواحدة تجد كل فرد مشغول بجهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي وكأنه يعيش في جزيرة منفصلة عن باقي أفراد أسرته، حتى على مستوى التزاور بين العائلات تجد أن الجفاء للأسف أصبح سمة هذا العصر الذي نعيش فيه، فأغلبنا يكتفي بمهاتفة أقاربه والاكتفاء بتلك المهاتفة حتى في الأعياد التي كنا كأطفال نستمتع بجو الأسرة الدافيء وبرؤية الأعمام والخالات ورؤية الأجداد واللعب مع أبناء أقاربنا ، هذا الجمال والدفء قد ولَّت أيامه.
فالعزلة الاجتماعية من أهم أسباب الاكتئاب الذي يعيشه الكثير، حتى من له عدد كبير من الأصدقاء الافتراضيين؛ تجده يشعر بداخل نفسه بعزلة وضيق قد لا يعرف مصدره الذي هو في الأساس انعزاله عن أفراد أسرته داخل صومعته الإلكترونية، فانعزالنا عن أفراد أسرتنا يُورّث الجفاء، ويورث الضيق والاكتئاب فهم أقرب ما لنا، وهم من يفرحون بصدق لنا ويحزنون إذا أصابنا مكروه.
هناك من هم أولى بذلك الوقت
ونحن في تلك المقال لا نتّهم وسائل التواصل ونضعها في قفص الاتهام؛ بل نتهم الاستخدام السيئ لها والاستخدام المفرط بلا أي داعي لوسائل التواصل الاجتماعي تلك؛ لذا علينا أن نتفكر بروية في مدى استخدامنا لوسائل التواصل ونُحصي عدد الساعات التي نقضيها متصفحين وممسكين بهواتفنا، وندرك أهمية أن نكون واعيين للوقت الذي نهدره من أعمارنا فيما لا ينفع بل في كثير من الأوقات يضر وقد يورد الفرد إلى ما لا يُحمد عقباه.
ونداء لي ولكم بأن نعطي أمهاتنا وأبائنا جزء من هذا الوقت الكبير الذي نقضيه في تصفح تلك المواقع؛ نسأل عليهم نسمع منهم، فهم في أمس الحاجة لنا وخاصة عند الكبر وحتى لا نعض أيدينا ندمًا بعدما يكون قد فات الأوان على برهم وعلى أخذ بركاتهم.
خطورة هذه المواقع عل الأطفال
وموضوع آخر هو أشد خطورة بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو تعامل الأطفال مع تلك المواقع؛ فهاهنا يجب على الآباء والأمهات عدم ترك الحبل على الغارب؛ لأن جلوس الطفل أوقات طويلة على الشاشة له آثار سيئة وخطيرة على الطفل وعلى نموه الاجتماعي وعلاقاته مع من حوله ومع أقرانه وأقاربه؛ فيتحول الأمر إلى أشبة بالإدمان؛
فستجد هذا الطفل الذي يجلس بالساعات الطويلة على الشاشة يفقد قدرته على النمو الاجتماعي وتعامله مع مجتمعه، ومن ثم ستجده في عزلة لا يحب أن يختلط بالآخرين ؛ لذا علينا توعية أنفسنا وأطفالنا؛ على أن يتم تحديد وقت معين على تلك المواقع مع تنمية الحوار الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة وتخصيص وقت لتفعيل المسامرات والمناقشات الأسرية؛ فالأطفال هم مستقبل تلك الأمة التي نريد أن تنهض من سباتها الذي طال وذلك بتنمية وتوعية هذا النشء الذي هو أمل تلك الأمة.
أخيرا
وختامًا؛ أحب أن أنَوه على وجود العديد من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع وتأثير إدمان وسائل التواصل على شخصية الفرد، ومن تلك الدراسات دراسة للمركز الوطني لأبحاث الشباب بجامعة الملك سعود
” أن الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي له تداعيات نفسية واجتماعية متعددة منها زيادة القلق والاكتئاب والرغبة في الانعزال وعدم القدرة على التواصل الواقعي مع الآخرين، ولاحظ القائمون بالدراسة من خلال المشاهدات والمتابعة لبرامج على وسائل الإعلام أن هذه الظاهرة تزداد نسبة انتشارها يومًا بعد يوم وكذلك تزداد آثارها السلبية وخاصة على فئة الشباب الذين يعدون أكثر مستخدميها لأمور تتعلق سواء بالدراسة أو العمل أو تمضية وقت الفراغ ومن الملاحظ أيضًا أن الشاب الذي يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي بكثرة تتأثر لديه مهارات التواصل الاجتماعي والشعور بالوحدة(1).”
1-جريدة “الرأي” ، ( العدد الصادر يوم الأربعاء، تاريخ 8 فبراير، 2012)