مقالاتأسرة وطفل - مقالات

ماذا لو…؟ – أسرة على حافة السقوط

نسيج ذهبي منسدل خلف زجاج باب الشرفة يُضئ في شاعرية معالم غرفة الأحلام، يحملها بساط حريري يدغدغ قدميها المتعبتين في رفق، يهبط بها محطة الجلوس في أمان، تُرخي جسدها المُنهك على عرش السلطان، تستسلم بين ذراعيه العريضتين فيضُمّها لصدره في حنان، وِساداته الناعمة تُربِّت على كتفَيها و ترقص خلف ظهرها في خِفة لتُنسِّيها بعض ما أصابَهُما من آلام.

أخيرًا سنحت لها الفرصة أن تنال شربة من كأس الراحة العذب، تنظر في هيام لساعة حائط كسولة؛ تمشي عقاربها في بطء، لا تزال تُشير إلى الثانية والنصف، على غير العادة أنهت أعمال المنزل باكرًا اليوم، علا مُحيّاها ابتسامة النصر، كنوع من المكافأة تناولت جهاز التحكم من على  طاولة صغيرة بجوارها وأشعلت التلفاز.

زيارة قصيرة

لم تنل شرف الجلوس في ضيافته منذ زمن، زيارة قصيرة بدَّدت عنها خيالها الخِصب وجعلتها تقوم مفزوعة من على الكرسي الذي كانت تجلس عليه في غرفة المعيشة، صاحت في دهشة: “موجز أخبار الرابعة!”، بدون اكتراث نقضت غزْل الشمس الدافئ لتدخل الشرفة، راحت تراقب المارة هنا وهناك، لمحته يقترب في تؤدة، تنفست الصعداء، بخطى سريعة تتجه نحو باب الشقة في انتظار وصوله.

باغتتها جُملة من الأحداث، جرس الهاتف يرن، طفلها الرضيع قد استيقظ باكيًا، لم تُطفئ جهاز التلفاز بعد، كانت تنوي إخفاء ذبول عينيها و شحوب وجهها ببعض مساحيق التجميل، تحتاج الساعة المعطلة لبطارية جديدة، أطبق عليها التوتر والحزن وأصابها الاضطراب.

ملامح كادحة تعكس مشاعر التوتر والحزن

مرّ عليها مرور الكِرام، أدرك خطورة فعلته، يعيد أدراجه مسرعًا نحوها، يقف أمامها، يتأمل انعكاسه الباهت على صفحتها المضبَّبة، تلك البشرة التي أكسبتها الشمس سُمرة وشيئًا من ملامح الكِبر، العين المشتاقة للذة النوم، القميص المبلول بالعرق، خصلات الشعر المتعاركة بين أسود مهزوم وأبيض منتصر .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يلقى أكياس البقالة التي كان يحملها في كِلتيّ يديه أرضًا، يخرج من جيبه منديلًا ليمسح العرق عن وجهه وكفيه، يضبط هندامه الواسع، يتساءل عن عدد الكيلو جرامات التي فقدها مؤخرًا، يهدئ شَعر رأسه المتصارع بيده، يطلق ابتسامة باهتة عن لمسة التغير التي أحدثها على هيئته الواهنة.

صوت نداء خفي عن مرمى بصره يعيده لمسرح الأحداث، نظراته الفاحصة تجوب المكان من حوله، كان عاكفًا أمام المرآة المعلقة في مدخل العمارة العتيقة التي يسكن بها يُبادلها الابتسام، تُرى هل لمحه أحد على وضعيته المريبة تلك، تَعجَّل التقاط أكياسه وراح يهرول نحو السلم.

ذكريات مؤلمة

يصعد أولى الدرجات في يُسر، أحداث ماضٍ خشنة تطرق أبواب ذكرياته بعنف، عبثًا تحاول النيل من نفسه بشيء من أسى أو حزن، بقوة يصدها بدروع من الحمد، أمسٌ قد غاب لا يهابه ولا يترك بداخله أي ملمح لهم أو قلق.

يستمر في الصعود، تتداعى الأفكار بخاطره، ظروف عمله المتقلبة، أبواب الرزق قد تؤصد، مصير أسرته الصغيرة، صمود راتبه لنهاية الشهر، فكرة تلوى الفكرة تغزو رأسه، على إثر تلك الأوهام يرتجف بدنه من شدة التوتر ، تتباطأ خطواته، تتسارع أنفاسه، تضطرب دقات قلبه، تتلألأ الدموع في عينه.

العدو اللدود

من جديد هو العدو اللدود القادر على هدم أسوار جسارته فيهوى ضعيفًا مهزومًا أمامه، المجهول الذي يتوارى خلف جدار الغد، التوتر والخوف من المستقبل الذي يلاحقه في غير سأم ويلقي بعبائته السوداء على أفكاره، يتحامل على نفسه لكن لا جدوى، جسده على حافة السقوط، يتوقف عن الحركة ويسند بجنبه على الحائط المجاور له، تتساقط الأكياس من يديه، تُصدر دويًا يصل مسامع زوجته،

تهرع لفتح الباب حاملة طفلها على يدها اليمنى، تنزل عدد من الدرجات في حذر، تُهدي زوجها كتفها الأيسر ليتكئ عليه، أهملت الأكياس الملقاة بجواره وأوجاع عمودها الفقري فلا مجال للاهتمام بأي منهما الآن.

لعل القادم خير

ظلّت تعين زوجها على استجماع قوته وشتات بأسه بعبارتها القريرة بعدل قضاء الله ولُطف صنيعه، ترنو بها في أذنيه فيهدأ وجله و يُغاث قلبه بودق السكينة والأمان، كم يتمنى ألّا يتمكن منه هذا الخوف مرة أخرى، عليه أن يسعى جاهدًا لمواجهته بعين القوة التي يدفع بها موج ذكريات ماضيه المؤلم، , أن يمدد وصاله برب السماء مسبب الأسباب دون سواه، ويُطمئن عقله بأن أمر الأمس والحاضر والغد خير إن شاء الله.

ندى علاء منصور

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة