الإنسان الأول

تلك الصورة المتوحشة التي اجتهدت كل الوسائل لرسمها للـ” الإنسان البدائي ” لا أجدها تتناسب أبدا مع الفكرة التي عبر عنها “جون لوك ” مثلا حين ناقش مفهوم التملك عند الإنسان الأول _لنسميه كذلك_ . ذلك الإنسان الذي كان راسخا لديه أنه يتملك قطعة الأرض التي يتمكن من إحداث تغيير فيها، والذي أدرك أنه لا ينبغي له أن يجور على حق غيره من الأرض التي تملكها بعمله فيها .. كيف له أن يدرك ذلك ؟ وأي ميزان هذا الذي استخدمه للقياس ليتمكن من تقييم أفعاله إذا كنا نصوره بهذا الشكل المتوحش ونفترض أن البشرية تمر بأطوار من التطور والنضج الإنساني كانت بهذا التصور في أحط مراحله في بداياتها ؟! بل كيف لذلك التصور أن يستقيم مع قوله تعالى “فطرة الله التي فطر الناس عليها ” وهو_سبحانه_ لم يختص البشرية في طور معين أو مرحلة معينة بتلك الفطرة السليمة ؟! بل بالرجوع لتاريخ الأديان نجد أن الأديان في أذهان البشر تمر غالبا بثلاث مراحل هي التعددية ثم الترجيح بين إله وآخر ثم التوحيد، فكيف للبشر في مناطق مختلفة حيث لا تواصل بينهم وأزمنة مختلفة أن تكون لهم نفس منهجية البحث عن خالق للكون إذا كنا نسلم بفكرة التطور الإنساني أو النضج ؟ بالإضافة إلى أنه بالرجوع لكليات الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام على سبيل المثال والتي تتابعت في الظهور نجدها متشابهة، فجمعيهم يدعو لتوحيد خالق الكون والاهتداء برسالته التي بلغنا بها رسله، فكيف لهذا أن يستقيم مع فكرة تطور النضج الإنساني ؟ فتشابه كليات الأديان يعني أن العقل البشري قادر على استيعابها في أي زمان ومنذ أوجد الله الكون ! ويعني أن تلك الفكرة وذلك التصور عن الإنسان الأول ” طويل الناب ” غير دقيق بالمرة، فهو إنسان أودع الله فيه فطرة سليمة لا تقل سلامتها عن تلك التي أودعها في إنسان عصر متقدم عنه، وكذلك منحه قدرات عقلية تؤهله للوصول لخالق الكون لا تقل أبدا عن قدرات من ينتمون لعصور متقدمة عنه ! لا شك أن جزئيات العالم من حولنا تعقدت كثيرا منذ عصر ” الإنسان الأول ” حتى الآن ومستمرة في التعقد وهو ما أضفى بالضرورة تعقيدا على فكر الإنسان وإدراكه العقلي، وأعتقد لذلك كان التعقيد في جزئيات الأديان أو ربما الاختلاف لمعالجة ذلك التعقيد والاختلاف الذي أحدثه الإنسان على مر العصور والذي اصطلح عليه ” الحضارة ” لكن ذلك لا يعني أن الإنسان انطلق من النقطة صفر أو أنه كان ذلك الكائن المتوحش الذي تصوره ثقافتنا !

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.