سوار (بافلوك) _ كيف نغيّر عاداتنا؟
سوار بافلوك يخلصك من العادات القبيحة
“نحن ما نفعله بشكل متكرر، فالتفوق ليس فعلا وإنما هو عادة”، هكذا يقول الفيلسوف اليوناني الشهير الملقب بالمعلم الأول (أرسطو)، وهي المقولة التي اتخذها سوار (بافلوك) شعارًا له.
فكرة غريبة هي ولكنها تداعب ذلك الحلم البشري الأبدي، أن يتغير الإنسان للأفضل دون معاناة، فعلى الرغم من الآلام التي يسببها سوار بافلوك، يعلم جيدًا صانعوه ومستخدموه -على حدٍ سواء- ضآلة تلك الآلام الجسمانية أمام الآلام النفسانية لمجاهدة الروح والنفس لفعل ما هو صحيح والبعد عما هو خاطئ.
قبل أن نستطرد دعونا نعد إلى البداية، ما هو سوار (بافلوك)؟ هو سوار إلكتروني يباع على الموقع الشهير (أمازون) للتسوق الإلكتروني، تقوم فكرته ببساطة على الربط بين الألم الجسدي والعادات القبيحة التي يرغب الإنسان في التخلص منها، في مجالات اللياقة البدنية والإنتاجية والنوم، حيث يقوم المستخدم بتحميل تطبيق هاتفي يتيح له إطلاق صاعقة كهربية -على نفسه- من السوار إذا ما قام بفعل إحدى العادات القبيحة التي يرغب في التخلص منها، كما يمكنه أيضًا إتاحة إطلاق الصواعق لأصدقائه لمساعدته على ترك تلك العادات في حال رؤيتهم له يواظب عليها.
لم نصبر على كل تلك الآلام؟
ينطلق رنين المنبه المزعج في ساعات الصباح المبكرة، فتفتح عينيك المتثاقلتين لتنظر إلى ساعة الهاتف قبل أن تقرر أن تجعل المنبه يصمت، تنهض متثاقلًا وأنت تلعن الاستيقاظ المبكر والإرهاق الذي يلتهم خلاياك التهامًا، لتبدأ روتينك اليومي المعتاد في التأهب للذهاب لعملك، يدور بخلدك هذا السؤال بشكل دائم،
لمَ عليّ الصبر على كل تلك الآلام؟ من أجل العمل؟ لا. نهضة المؤسسة وتقدمها؟ بالطبع لا. تبتسم ساخرًا وأنت تتذكر فيها تلك الأقاويل حول الارتقاء بالشركة ورفعة الشركة و….، والتي لا تليق إلا بمقابلات العمل الشخصية أو في حضرة الموارد البشرية. من أجل المال؟ تجيبك نفسك بصراحة نعم، وربما أيضًا تحقيق الذات والشعور بنشوة النجاح ولذة المساهمة الفعالة في مجتمعك.
ربما تختلف إجابة غيرك، ولكن في الأخير لابد من وجود جواب، فلولا ذلك الجواب ما كان لاستيقاظك وسعيك غاية ومعنى، ولكان التخلي عنه أسهل من شهيقك وزفيرك.
ما الفعل إلا نتاج للفكر
هكذا هو الإنسان، لا يكون فعله إلا نتاج فكره. فكرة: “العمل سبيلك لإشباع حاجاتك النفسية المعنوية واحتياجاتك المادية المعيشية” هي المحرك لاستيقاظك وسعيك المرهق بلا شك. فكرة: “البحث عن النجاح العملي” تجعل سعيك لتلك الدورات التدريبية المكلفة مفهومًا. فكرة “السعادة في رضا الناس” تجعل تغير رأيك المستمر وسلوكك المتذبذب مبررًا، فلولا تلك الأفكار وغيرها لما كان السلوك البشري الظاهر أمامك.
اعذرني على تلك المقدمة الطويلة -وربما المملة- ولكنها ضرورية لما هو آت، فدون فهم الدافعية للسلوك الإنساني لا يمكن فهم آليات تغييره وتقويمه في النفس أو في الغير، فأنت تريد -مثلًا- التخلي عن التدخين، عادة سيئة لا تستطيع إنكار ذلك، لذا فالفكرة تبدو لديك واضحة: “السجائر ضارة جدًا بالصحة”، فلمَ الصعوبة في التخلي عنها؟
هنا تتعارض تلك الفكرة مع فكرة أخرى: “السجائر ممتعة أو تعطيني النشوة واللذة”، في حين أن الفكرة الأولى منشأها العقل والعلم، فإن المنشأ للفكرة الأخرى شهواني أو هوائي، فيحدث ذلك التردد والتأرجح بين التخلي عن التدخين أو الاستسلام له، حتى تنتصر إحدى الفكرتين على الأخرى، ويظل السلوك دائمًا ينبع من فكرة ما.
إذن فكما يقوم الفعل على الفكر، يقوم تغيير ذلك الفعل على تغيير الفكر أيضًا، وإلا يظل التغيير السلوكي قشريا هشّا معرضّا للانتكاس في أية لحظة بشكل سريع.
هل الأمر يقتصر على التغيير الفردي فقط؟
الأمر هنا لا يتعلق فقط بالتغيير الفردي والذي يشمل بعض السلوكيات كالشراهة أو الإدمان أو الكسل، إنما يتعلق أيضًا بالسلوكيات الجماعية، كموجات جريمة التحرش الجنسي التي تحدث بشكل جماعي في بعض الفترات مثلًا، تستطيع أن تعمل على التعديل السلوكي نفسه بزيادة الأمن وزيادة العقوبات ووجود الكاميرات واستعمال أسلحة الدفاع عن النفس وحتى الفصل في المواصلات العامة -أو حتى الطرقات نفسها-، ولكن دون تغيير تلك الوحوش الحيوانية داخل النفوس المشوهة للمتحرشين يظل المجتمع في أية لحظة معرضا لخطرهم متى قدروا على تجاوز تلك الوسائل الدفاعية المتعددة.
إذن هل سوار بافلوك هو الحل؟
عام 1977م عانت مدينة (نيويورك) بالولايات المتحدة الأمريكية من انقطاع كهربائي هو الأشهر في التاريخ دام نحو 25 ساعة كاملة! صواعق رعدية تضرب محطات (بوتشانان الجنوبية) و(إينديان بوينت) و(سبراين بروك)، لتنطلق معها واحدة من أعتى وأعنف أعمال شغب وعنف وإحراق وإتلاف ممتلكات تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية، أدت لإصابة 550 شرطي وإلقاء القبض على 4500 شخص، فمع انقطاع الكهرباء توقفت كل الكاميرات الأمنية عن العمل وتقلصت بشدة الاحتياطات الأمنية للممتلكات الشخصية والفردية، لتترك الناس عزلًا تمامًا أمام رغباتهم الشخصية والتي أنتجت ذلك اليوم المشؤوم في تاريخ الولايات المتحدة.
لذا دون عملية رفع الوعي لن يكون هاهنا أي مجال للحديث عن رقي حقيقي للفرد أو المجتمع، يظل الفرد دومًا قادرًا على التحايل حتى على سوار مثل (بافلوك)، قد ينتج تغييرا ظاهريا في السلوك لا يغني عن التغيير الحقيقي في الأفكار.
لا يعني هذا بالطبع التجاوز عن قواعد العقوبة والقصاص كإحدى وسائل التقويم والتهذيب والإصلاح، ضمن منظومة تهدف بالأساس للتغيير الفكري ولو أحيانًا بالقوة والردع. ولتحقيق مقولة المعلم الأول يظل الفرد والمجتمع بحاجة إلى العادة والتكرار الناجمين عن إيمان حقيقي بأهمية تلك السلوكيات والملكات الأخلاقية، والعمل على مجاهدة هوى النفس وغفلة القلب، لاتباع الحق الصادر عن عقل يقظ.