الرجل النباتي الأخضر – القضية المنطقية وكيفية الوصول لأحكام يقينية
الرجل النباتي الأخضر
الخضرية هي نظام غذائي يعتمد على الغذاء النباتي والتخلي عن أكل اللحوم ومشتقاتها (لبن، بيض، جبن، .. إلخ)، وقد طفا هذا المصطلح إلى السطح مجددًا في الغرب منذ سنوات عدة، قبل أن يثير مقدم أحد البرامج الشهيرة سابقا هذا المصطلح في برنامجه الجديد، برنامج يحاول مقدمه إيصال المعلومة بطريقته المعتادة ما بين الاسكتشات أو المحاورات القصيرة أو بعض النتائج البحثية بصورة مبسطة.
بعيدًا عما ناله المقدم لشخصه نتيجة اختياراته الشخصية، إلا أن هذا لم يمنع مساهمة كاريزمته الشخصية على تسليط الضوء على النظام النباتي والنباتيين، حيث يبدأ أولى حلقاته بوجوده ضمن وليمة نظمها أحد الأصدقاء/الأقارب، يتبعها هجوم من التساؤلات حول اختياره العجيب -حسب تعبير من حوله- بالالتزام بنظام غذائي يعتمد بالكلية على النباتات، الحبوب، المكسرات، الخضروات والفاكهة، ليبدأ بعدها في طرح أسبابه للالتزام بهذا النظام الغذائي:
تنويه هام:
في البداية قبل الخوض في أي من الأدلة التي استخدمها فنحن هنا لسنا بمعرض للحديث عن صحة أو خطأ أكل اللحوم أوالغذاء النباتي وإنما بالأساس الكلام على صحة الطريقة المتبعة في الاستدلال والمنهجية المستخدمة في الحكم على تلك القضية.
1-التغلب على حالة الخمول والكسل المصاحبة لأكل اللحوم:-
منذ اللحظات الأولى يقع المقدم في أخطاء منطقية الخطأ تلو الآخر، ولعل أبرزهم هو وقوعه الدائم في خطأ الاستقراء التعميمي.
حيث صاغ قضيته كالآتي:
شخص1 يأكل اللحوم ويشعر في كثير من الأحيان بالإرهاق والخمول
شخص2 يأكل اللحوم ويشعر في كثير من الأحيان بالإرهاق والخمول
شخص3 يأكل اللحوم ويشعر في كثير من الأحيان بالإرهاق والخمول
إذن النتيجة المستخلصة: أكل اللحوم يصيب الإنسان بالإرهاق والخمول!
طريقة غير علمية على الإطلاق ويبدو الخطأ في اللجوء لها غريبًا وخاصة في قضية علمية يمكن الوصول لحقيقتها بأسلوب علمي أكثر منطقية
أمثلة منطقية
مثلا: الكربوهيدرات تطلق الجلوكوز بسرعة كبيرة إلى مجرى الدم، الذي يساعد بدوره على إخماد الطاقة داخل جسم الإنسان، مما قد يتسبب في أعراض الكسل والخمول.
إذن النتيجة المستخلصة: إفراط في الأطعمة التي تحتوي على كربوهيدرات تسبب الخمول والكسل.
وبالنظر إلى الأطعمة التي تحتوي على كربوهيدرات نجد الأرز الأبيض والبطاطس .. إلى آخره!
أو مثلًا:
الماغنيسيوم يساعد على استرخاء العضلات، مما يساعد على الشعور بالنعاس والخمول.
إذن النتيجة المستخلصة؛ الأطعمة ذات نسبة الماغنيسيوم العالية تساعد على النعاس.
وبالنظر مرة أخرى للأطعمة التي تحتوي على نسبة من الماغنيسيوم تجد المكسرات على رأس القائمة!
لذا فبالعودة إلى النتيجة الخاصة باللحوم نجد أنها قد اعتمدت على مصداقية قائلها، دون تقديم أي دليل حقيقي، على الرغم من وجوده بالفعل وهو وجود دهون في اللحوم الحمراء تساعد على الشعور بالخمول لاحتياجها لمجهود أكبر لهضمها، وهذا التجاهل أخلَّ بالسبب الرئيسي لأخطار اللحوم من كسل وخمل -وربما أكثر- وهو استخدام الزيوت أو الأطعمة المقلية ويشترك في ذلك النباتي منها والحيواني!
2-ريتش رول وسيرينا ويليامز:-
ريتش رول هو محام سابق، توقف عن السباحة منذ انتهائه من الدراسة الجامعية، ليصاب بالسمنة ويقع فريسة لإدمان المشروبات الكحولية واعتماد نظامه الغذائي على الأطعمة السريعة الجاهزة.
وفي سن الأربعين يكاد يصاب بأزمة قلبية جراء صعود بضع درجات من السلم، مما مثل له دافعا للتحول إلى النظام الغذائي النباتي ، ليخسر الكثير من وزنه ويصبح واحدًا من أهم الرياضيين على مستوى العالم بعد نجاحه في إكمال مهمات الـ (EPIC 5) أو الخمس مهمات الملحمية والتي تشمل العَدْو والسباحة وقيادة الدراجات، ليصبح هو الوحيد في العالم -حتى اللحظة- الذي نجح في إكماله.
لما لم ينجح آخرون مثل ريتش رول
إنجاز مبهر لا شك في ذلك، ولكننا مرة أخرى نعود إلى نفس الخطأ الاستقرائي التعميمي، والذي يتجاهل مستخدمه عدة أسئلة، هل (ريتش رول) هو الوحيد الذي التزم بالنظام الغذائي النباتي ؟ فإن كان لا، وهو لا بالطبع فعلى الأقل المقدم أعلن التزامه بالنظام الغذائي النباتي ، فلم لم ينجح غيره في تخطي المهمات؟
الحقيقة أن (ريتش رول) لم يكتف أبدًا بهذا النظام الغذائي مما جعله الرجل الأكثر لياقة في العالم وهو في الخمسين من عمره، وإنما كما كتب هو في كتابه (Finding Ultra)، أو (العثور على ما فوق العادي)، فقد لجأ هو إلى برنامج تدريبي شاق جدًا، استغرق منه عدة ساعات يوميًا، بل إنه بطبيعة الحال لم ينجح في إكمال المهمات من المحاولة الأولى وإنما استغرق منه عدة محاولات تدريبية، أهمل على إثرها -حسب كلامه- عمله حتى أنه عاني من تسديد مصروفاته أحيانًا.
فنتيجة لذلك الاستقراء المستخدم ابتعد المقدم في استدلاله مرة أخرى عن السبب الحقيقي، ووقع فريسة لفخ الاستقراء التعميمي، وبدلًا من البحث عن الأسباب الذاتية لنجاح (ريتش رول) ولياقته البدنية الخارقة، لجأ إلى الحل السهل لدعم نتيجته وهو أنه حقق إنجازاته -حسب تعبير المقدم- فقط بتغيير شيء واحد في حياته!
نفس الخطأ
نفس الأمر في استدلال آخر خاص بلاعبة التنس (سيرينا ويليامز) والتي استطاعت الفوز ببطولات في ظل اعتمادها على الحمية النباتية، والتي تحولت تلك القضية بشكل به من المغالطة الكثير إلى أن استطاعت الفوز ببطولات (بسبب) اعتمادها على الحمية النباتية!
فالمعروف بالطبع هو أن العديد من اللاعبات الأخريات فزن ببطولات، ومنهن الكثيرات ممن لم تعتمد على حمية نباتية، ولعل على رأسهم اللاعبة (فينوس ويليامز) شقيقة اللاعبة (سيرينا).
هكذا مرة أخرى خطأ آخر في الاستدلال يجعل تلك النتيجة حتى الآن التي تقضي بـ (التخلي التام عن اللحوم) محل شك وموضع نظر، حيث أن الاستدلالات كلها جاءت ضعيفة مهترئة، ترتكز بشكل أساسي على مصداقية المخاطب، ووسم المنتجات الحيوانية كلها، دون النظر إلى طبيعة العادات الغذائية ومدى خروجها عن الطبيعي والمتناسب مع احتياجات الكفاية الإنسانية.
3- هل يحتاج الجسم للبروتين الحيواني؟
نكتفي بذلك القدر من استدلالات النباتي، وننتقل إلى القضية التي قابلها بكثير من الامتعاض والسخرية، وهي حاجة الجسم إلى البروتين الحيواني، وبعض الفيتامينات التي توجد بشكل أمثل في الأطعمة المشتقة من الحيوان.
ففي حقيقة الأمر أن أشد النباتيين تعصبًا لم يستطع نفي احتياج الجسم لتلك الفيتامينات والتي تُعد اللحوم مصدرها الوحيد، إلا أن الرد جاهز وهو (توجد مكملات غذائية وحقن فيتامينات تعوض ذلك النقص في جسم الإنسان)، مما ينقل القضية من الإطار الطبي والصحي إلى إطار مختلف تمامًا وهو إطار الجانب الأخلاقي الفلسفي ولهذا حديث آخر.
ولكن في الختام لزم التنويه مرة أخرى على أن النقاش ليس الغرض منه بشخصية مقدم البرنامج وإنما التعرض إلى ما قد سلف من طرق في الاستدلال وعرضها على ميزان قواعد التفكير المنطقي للوصول إلى أحكام قطعية يقينية تشبع نهم الإنسان للمعرفة كما تساعد على تقويم سلوكه.
اقرأ أيضًا :
أين أجد إجابات للأسئلة المصيرية ؟ وكيف يتم التوافق ؟
التعميم الأعمى يلاحقنا .. لماذا هو أعمى ؟ وكيف لنا أن نتخلص منه ؟