إصداراتمقالات

الصيام

الصيام

تناول المفكرون المسلمون مسألة قوى النفس وكيفية ضبطها، الا ان الامام الغزالي تناول ما يمكن تسميته بتوازن قوى النفس (يستعير الغزالي من الفلسفة الأفلاطونية فكرةَ الاعتدال بين قوى النفس الثلاثة: قوى النفس الغضبية، قوى النفس الشهوانية وقوى النفس العاقلة، والاعتدال في استعمال هذه القوى الثلاث، يكون بحسن توظيفها فيما خلقت لأجله، فالقوى الغضبية يتحقق الاعتدال في توظيفها، بحيث لا يكون صاحبها متهورًا ولا جبانًا؛ لأن وظيفتها تحقيق ملكة الشجاعة، والشجاعة وسط بين التهور والجبن، فإذا أُفرط في استعمال القوى الغضبية صار متهورًا، وإذا فرّط في استعمالها واهملها، صار جبانًا، وكلاهما مذموم “الجبن والتهور”. وكذلك الإفراط أو التفريط في استعمال القوى الشهوانية، كلاهما مذموم والمحمود هو توظيفها لتحقيق ما خُلِقت لأجله وهو حفظ النسل ومن هنا شرع الزواج لإشباع حاجة النفس بمنهج شرعي، يحفظ العفة ويصون المروءة .

وفضيلة القوى العاقلة تتحقق بالحكمة التي ينبغي أن يكون عليها العقلاء، وأخيرًا لابدّ أن تسيطر القوى العاقلة على القوتين الأخيرتين (الغضبية والشهوانية) حتى يكون الإنسان معتدلاً في سلوكه؛ لأنه إذا سيطرت القوى الغضبية، صار الإنسان إلى السباع والوحوش أقرب، وإذا سيطرت القوى الشهوانية صار إلى الحيوان أقرب، أما إذا سيطرت القوى العاقلة كان حكيمًا وإلى الأنبياء أقرب .)

من هنا يمكن استنتاج أنه إذا تغلبت القوى العقلية على القوى الأخرى أصبح الإنسان إنسانا، وإذا تغلبت القهوة الشهوانية على القوى الأخرى أصبح أقرب إلى البهيمة أو الحيوان أو الأنعام، أو أيا ما كان المسمى يأكل ويشرب ويمارس الجنس وينام كالخروف مثلاً، وإذا تغلبت القوى الغضبية أصبح كالوحوش أو السباع والأسود مثلا.

ونأتى لنتفكر فى فريضة أو نقل نعمة الصيام فالصيام فيه تدريب للإنسان على السيطرة العقلية الاختيارية على الشهوات المحللة (أكل – شرب- جنس )فإذا أصبح الإنسان قادرا على السيطرة على شهواته فى الحلال فالأحرى به أن يسيطر عليها فى الحرام أو دعنا لنقل سيكون هذا تدريبا له يساعده على الامتناع عن الشهوات إن كانت حرام لأنه نمى عنده القدرة على السيطرة والتحكم أو نمى قدرته العقلية .اذن الصيام حالة من السيطرة العقلية – ومن خلال الاختيار الحر والإدراك- على القوى الشهوانية وعلى القوى الغضبية أيضا .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يقول محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلوات والتسليم

(الصيام جنة ، فإذا كان صوم أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ شاتمه فليقل : إنـــي صــــائـــــم ، إني صــــــائـــــم ) رواه البخاري ومسلم

عندما تسيطر على نفسك إذا بدأك أحدهم بالسباب فأنت قمت بردع القوى الغضبية داخلك بمعنى أن قواك العقلية غلبت قواك الغضبية فى تحكم منك

الله رزقنا الصيام وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) 183 سورة البقرة

“لعلكم تتقون” أى تجعلوا هناك حالة من السيطرة الفوقية على قواكم الشهوانية وقواكم الغضبية

و الصيام أنواع: فاما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن الشهوات. وصوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر وسائر الجوارح عن المعاصي والآثام والمحرمات. وصوم خصوص الخصوص: فهو أرقى وأعلى مرتبة وهو كف القلب عما سوى الله سبحانه. وأعتقد أن هذا التمرين الذى أنعم الله علينا به لا نستفيد منه كثيرا لأننا نصوم صيام العموم فلا نخضع شهواتنا الغضبية ولا نكف عن المعاصى (آفات اللسان –غض البصر – إلخ )

اللهم ارزقنا صياما صحيحا .

تم نشر المقال على موقع يقظة فكر بتاريخ 29 يوليو 2013

http://feker.net/ar/2013/07/29/21485/

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

حازم خالد

طبيب امتياز – كلية الطب جامعة المنصورة
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة