مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

العنصرية الوردية – كيف ننظر إلى الاختلاف فيما بيننا؟

تم نشر إحصائيات بواسطة جرائد ومراكز أبحاث لتُبين أكثر البلاد في العالم تسامحاً وحباًّ وأكثرها عنصرية وكراهية، ومن المؤسف أن تحظى بلادنا بترتيب أعلى في التصنيف على أنها عنصرية.

قد يشكك البعض في مصداقية وجودة تلك الإحصائيات بما فيها من تعميمات استقرائية مغلوطة، مثل عدم العشوائية في اختيار العينات، والتحيز، وأخذ عينات قليلة ومحدودة سواء كان ذلك عن عمد أو عن غير عمد، مثل صعوبة أخذ عينات كبيرة لصعوبة الوصول لكافة البلد.

هل نحن فعلا عنصريون؟

دعنا عزيزي القارئ من هذه الدراسات التي يتخللها بعض الشك، ولنسأل أنفسنا السؤال الأهم ولنتحلى بالصدق والحيادية عند الإجابة، “هل هناك عنصرية في بلادنا؟”

في البدء يجب أن يكون عندنا مفاهيم مضبوطة ودقيقة في أي قضية نريد أن نحكم فيها ونحسمها سواء ببطلانها أو بمصداقيتها، بمعنى قبل أن نحكم هل هناك عنصرية في بلادنا أم لا، يجب أولا تعريف العنصرية كمصطلح شامل وواضح ومفهوم، ومن ثم نطرح السؤال مرة أخرى “هل هناك عنصرية في بلادنا؟” وهنا تكون الإجابة صحيحة وأكثر دقة لأنها ستكون عندئذ مُدعمة بدليل.

العنصرية:

هي شعور يبديه الشخص تجاه شخص أو فئة معينة من الناس، على أساس انتمائهم العرقي أو الديني أو الإثني أو الجغرافي وكثيرا ما يكون هذا الشعور مصحوبا بكرْه أو عداء، ويمكن أن يمتد ذلك الشعور إلى أبعد من ذلك، فيصل إلى تعامل أو تصرفات عنصرية ، كاستعمال العنف أو الإكراه أو المنع من حق ما.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وبالرجوع إلى الواقع نجد أن هذا التعريف يتمثل في بعض تصرفاتنا -كمصريين- ضد الأقليات وأبناء الأقاليم والقرى، كالصعايدة وأبناء محافظة المنوفية، وأيضاً ضد أصحاب الأفكار أو الأيدولوجيات المختلفة عنا، كالتيار الإسلامي والعلماني والاشتراكي…،

والتعامل معهم على أنهم أقل قدرة على التفكير وأقل دهاءً وكفاءة من غيرهم أو أكثر شهوانية دون الاحتكاك معهم أو حتى اختبار كفاءتهم، والحق أن رجل القبيلة ما زال يعيش في داخلنا، ويتخذنا كهفاً له ولأفكاره القديمة التي تنص على أنه “من ليس من قبيلتنا أو جماعتنا فهو ضدنا لا محال”.

كيف تبعث العنصرية الكراهية في النفوس؟

وتنعكس فكرة رجل الكهف على مجتمعاتنا بحيث يخرج من رحم العنصرية الكثير من الأمراض التي تنغص علينا حياتنا وتُخفي الود والحب من حولنا، مثل ضيق الصدر بالنقد وعدم تقبل الآخر، والتجريح الذاتي في الشخصيات العامة لا في أفكارهم وما يقدموه، ورؤية الحياة باللون الأبيض والأسود (معي أو ضدي)،

فمثل تلك الصفات تحوُل بيننا وبين الجلوس على طاولة الحوار ووضع حلول سليمة متفق عليها من الجميع لكي يشارك الكل بأفكاره ومجهوده للبناء والتقدم.

نستنتج مما سبق بشاعة العنصرية، وأننا من الممكن أن نقع فيها في اليوم أكثر من مرة، دون أن ندرك أننا شرعنا في عمل عنصري، والإنسان العنصري لا يعرف أنه عنصري لأن العنصرية شيء سيء لا يريدها أن تتمثل فيه، ودائما ما يقذف بتلك الكرة المتسخة من حديقته الجميلة، ولن تتضح له إذا كان كذلك أم لا إلا بوقفة نقدية مع نفسه والنظر بداخله والسؤال “هل أنا عنصري أم لا؟

كيف نتوقف عن العنصرية

1- أول خطوة لحل أي مشكلة هي اكتشاف المشكلة”، الخطوة الأولى هي أن تكون صريحاً مع نفسك وأن تنظر في داخلها وتفحصها وتنتقدها، فإذا وجدت نفسك مريضاً بهذه العلة؛ فعليك الاعتراف بذلك والعزم على إقصائها من جذورها ومن ثم السعي في تغيرها.

2- إذا كان هنالك بعض من الناس من الفئة التي تبغضها تعيش معك في نفس المدينة وتراهم باستمرار في مكان العمل أو الجامعة، فتلك فرصة جيدة لبدأ

محادثات قصيرة معهم، وسوف تكتشف أنهم بشر عاديون كأصدقائك وأقاربك وأهلك (يضحكون، يبكون، يكرهون، يحبون، يأكلون، يشربون،…)

3- يجب أن تؤمن بأن كل الفئات فيها الخيرين وفيها السيئين، حتى الفئة التي تنتمي أنت إليها، فيها الحكماء والعقلاء وفيها المتعصبون وضيقو الصدر، فهذا لا يعني بالضرورة أن كل من ينتمون إلى فئتك -بما فيهم أنت- أشخاص سيئون فقط، وفي المقابل هو أيضاً كذلك، فمن الممكن أن يكون الشخص شخصاً سيئاً أو جيداً، وليس بالضرورة أن تكون الفئة بأكملها كذلك، وإياك والخضوع إلى مغالطة التعميم المتسرع.

4- عدد هويّاتك وعدد هويّاته وانظر مدى التشابه بينكما، فتعداد الهويات هو أمر مدهش وفعّال في اجتياز عقبة العنصرية وإزالة الغشاوة من الصدر، فإذا قمت أنا مثلا بتعداد هويّاتي سأجد أنني (عربي، مصري، مسلم،…) وبنفس الكيفية تعداد هويّات الشخص المقابل ستجد في أنه يختلف عنك اختلافاً بسيطاً جداً بالمقارنة بالهويات الأخرى الكثيرة التي تربطكم معاً،

فاختلافه معك في الدين أو العرق أو الأفكار أو البلد أو حتى اختلافه معك في انتمائه إلى فريق كرة القدم، فتلك الاختلافات هي أشياء بسيطة بالنسبة إلى ما تشتركون فيه، وعليك أن تنظر إلى كفتي الميزان بإنصاف وعدل، وأن ترى الشخص وتتعامل معه وفي اعتبارك الهويات المشتركة بينكم.

العنصرية الوردية

إذا صنّفنا مجموعة من الأفراد ليسهل علينا تصنيفهم فيما بعد (بالإيجاب) بأوصاف وأحكام متسرعة جاهزة قد يكون أيضاً أمراً سيئًا وإن كان أقل ضررا، وأسميها العنصرية الوردية، وهو الوجه الآخر للعنصرية لكن بشكله الوردي الناعم الذي لا ينتبه إليه السواد الأعظم، وقد ينتج منه الكثير من المغالطات التي تؤثر على تفكيرنا وبالتالي واقعنا.

أن تحضر ندوة أو محاضرة أو مناظرة لأحد الأشخاص أو فئة معينة من الناس تتفق معهم في الأيدولوجيا وتتشابه الرؤية بينكم هو أمر جيد، أو أن تدعمهم في انتخابات سواء نقابية محلية أو حتى رئاسة الجمهورية ما هو إلا مناصرة لفكرتك بصورة غير مباشرة، لكن يتوقف كل هذا عندما لا تنتبه أنك بدأت لا تنظر إلى الحجج التي يطرحونها بمنظور نقدي، وتفنيدها ووضعها تحت مجهر الموضوعية،

وقد نقع جميعاً على تلك الوسادة الحريرية التي تحملنا إلى الحافة وتقذف بنا إذ لم نتحلَّ بالتفكير النقدي، حتى مع بنات أفكارنا وعناصرنا، وقد ننسى أيضاً أن الحجة لا علاقة لها بمصدرها الذي نستحسنه ونثق فيه، وإنما بدليلها الخاص الذي تستند هي إليه، وكما يقول عادل مصطفى:

” تولد الفكرة، تنهض على أرجلها الخاصة، تتوكأ على ذاتها وتغادر بيت أبيها، ولا تعود تسقط بسقوطه أو تنجرح بانجراحه، قوة الفكرة لا تكمن في الأصل الذي ينميها بل في المنطق الذي يزكيها، وصواب الفكرة لا يحدده مصدرها الذي منه أتت بل الدليل الذي إليه تستند” (2)

وفي النهاية عزيزي القارئ عليك تقبل الاختلافات على أنها شيء أساسي، وسنة من سنن الحياة وضعها الله في خلقه أجمعين حتى نتعارف ونتراحم وأن نرى الحياة من جهات وألوان مختلفة لا بالأبيض والأسود فقط.

 ………………………………………………………

  1. مغالطة التعميم المتسرع: هي مغالطة تقوم على اختبار عينات شحيحة وصغيرة من فئة ما والحكم على هذه العينات الصغيرة (سواء بالسلب أو بالإيجاب) ومن ثما تعميمها على المجموعة بالكامل. مثال: “شاهدت امرأة أو اثنتين لا تستطيعا ركن سيارتهما على جانب الطريق؛ إذا المرأة لا تعرف القيادة”
  2. كتاب المغالطات المنطقية – عادل مصطفى

 

اقرأ أيضاً:

كن مثل بلال – أزمة الفوضى الفكرية في عقول شبابنا.. كم بلال يعيش بيننا اليوم ؟

تنشئة الأجيال الجديدة وعملية التعليم – المعلم الفاضل يبني إنساناً للمجتمع

عندما نتآكل من الداخل.. ماذا يفعل بنا الاكتئاب ؟

عبدالرحمن بلال

عضو بفريق بالعقل نبدأ الإسكندرية