سؤال النفس وبداية الطريق .. متى نتساءل (الجزء الأول)
هل تبحث عن إجابة أي سؤال يمر بذهنك؟
كنت منذ أيام قليلة أتكئُ على الأريكة التي أمام التلفاز كعادتي، لكن التلفاز كان مغلقاً، فأمسكت محمولي لكي أطّلع على بعض التطبيقات وبالأخص (الفيس بوك)، وهناك خانة في هذا التطبيق، تحمل اسم (ذكريات) فضغطت عليها كعادتي أيضًا، ولاحظت أن هناك فيديو قد نشرته منذ ثلاثة أعوام بالضبط، وفي ذلك الوقت كنت أنشر المنشورات التي تعجبني فقط بشكل عام، بدون تحليل أو نقد من أي نوع، بعكس ما كنت أفعل في آخر عامين ونصف تقريبًا وإلى الآن، أي بعد نشري لهذا الفيديو بنصف العام تقريبًا، فبدأت مشاهدة الفيديو، لكي أعرف لماذا قد نشرته من قبل؟ فإذا برجلٍ عاديٍ يتكلم باللغة الإنجليزية، وسأعرض لكم ما قاله –بتصرف بسيط جدًا– في أقل من نصف الفيديو الأول، لأن هذا الجزء فقط هو الذي سنحتاجه في المقال، يبدأ الفيديو بقوله:
“ماذا نفعل هنا؟ وإلى أين سنذهب؟ كأنك استيقظت في الصباح وبدأ العرض، لا تسأل أية أسئلة، سر مع التيار فحسب، اجمع أكبر قدر من الأموال، وحاول ألا تُفلس، قلد كل ما يعرضه التلفاز لك من تصفيفات الشعر إلى الملابس، ولا تفكر كثيرًا، فقط افعل ما يُطلب منك، وإذا اضطريت فاشرب الكحول، ألا زلت تستمع إلى ضميرك؟ إذًا ارفع صوت الراديو، وتعلم أسلوب حياة المخدرات والجنس وموسيقى الروك آند الرول”.
يتابع الفيديو: “وبكل صراحة أريد أن أعرف، هل يوجد شيء أكثر من الاستمرار في أن أكبر في السن؟ تموت وتعيش لتترك وراءك بيتًا ضخمًا، وملكية كبيرة سيملكها أحد آخر، فأنا أريد فقط أن أعرف قبل أن أوضع في النعش، لأني لا أريد أن أقامر بروحي ولا أريد أن أجرب حظي… هذه أسئلة بسيطة عن الحياة وأنا أبحث عن إجابات، مثل سؤالي ماذا نفعل هنا؟ وما هو هدفنا؟ كيف أتينا إلى هنا؟ ومنْ هذا الذي خلقنا في أحسن تقويم؟ وماذا يحدث بعدما نموت؟ وهل هذا العالم يستحق العيش فيه؟ أسئلة لا نجيب عليها لأنه كما يبدو لا يجب علينا ذلك”.
ثم يستمر بتصرف: “يقول المفكرون الماديون أنه لا يوجد هدف لحياتنا ووجودنا مادي طبيعي، إذًا في هذه الحالة اسمح لي أن أسألك: أخلقت نفسك أم أن هناك أحدًا آخر خلقك وأبدعك؟ فأنا أحاول أن أتكلم بعقلانية فحسب… لا يوجد كمبيوتر يُقارن بالعقل البشري، ولو اجتمع العالم كله لن يستطيع خلق ذبابة واحدة، فهناك علامات كثيرة ولكننا نظل ننكرها، علامات تحاول إثبات بأن هناك موجِد لها، رغم أن المعادلة بسيطة: صفر+ صفر+ صفر لا يمكن لها أبدًا أن تساوي واحدًا، فالعدم لا يُمكن أن يُنتج وجودًا على الإطلاق، إذًا من أين أتى كل هذا النظام؟ كل شيء لديه مصدر وخالق له، فالسبب الوحيد الذي يجعلك تشاهد هذا هو أن هناك أحدًا قد رفعه، يمكنك أن تؤمن بالانفجار العظيم ولكنني أفضل أن أؤمن بالذي سبّب هذا الانفجار”… إلى آخر ما قاله في الفيديو.
في الحقيقة ولا أُخفي عليكم، عندما شاهدت الفيديو للمرة الثانية، سألت نفسي سؤالين وهما: لماذا لا يتساءل كل الناس هذه الأسئلة؟ فبعضها يُعتبر أهم الأسئلة على الإطلاق، وتُعرف بعلل الوجود (من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟)، فمن أين خلقت؟ ولماذا خلقت؟ وإلى أين أنت ذاهب؟ ولماذا من يسأل نفسه تلك الأسئلة لم يصل إلى نفس الإجابة التي وصل إليها غيره؟… بالإضافة إلى محاولتي في الإجابة على الأسئلة التي أشار إليها، والتي لم يُجب عنها في باقي الفيديو.
فبالنسبة لأول سؤال فالفيديو قد أعطى جزءًا بسيطًا من الإجابة في أوله، فنحن نستيقظ من النوم كل يوم لكي نفعل ما نفعله كل يوم، فنسير مع التيار، ولا نتساءل أبدًا إلى أين سيأخذنا؟ لا نعرف، فقط نسير.
منذ أن كنت طفلًا وأنت ملهيًّا فيما تُحب –ولا حرج في ذلك- ثم تلتحق بالمدرسة وتتدرج في مراحلها، فتذهب إلى المدرسة لكي يلقي لك معلموك بعض القشور من العلوم، فتذهب إلى بيتك لكي تكرر تلك المعلومات مرارًا وتكرارًا لكي تكتبها في الامتحان كما تلقيتها بالحرف، وكأنك وعاء –بالضبط- فوظيفة الوعاء أنه يُملأ ثم يتم تفريغه، وبجانب الدراسة، تكون ملهيًا أيضًا فيما تحب، لكن هناك حرج في ذلك الأمر، ففي آخر 3 سنوات تقريبًا من عمر المدرسة، أي عندما يكون عمرك 15 عامًا تقريبًا، تصبح إنسانًا عاقلًا –أي قادرًا على أن تعقل الأشياء وتُعبر عنها- فلا يصح على الإطلاق أن تكتفي بالأمور التي تفعلها في حياتك بدون أن تتساءل، على الأقل أن تسأل نفسك، لماذا تفعل ما تفعله أصلًا؟ فالتساؤل أحد أهم وظائف العقل، و سؤال خلف سؤال خلف سؤال ، يُصبح التساؤل ملكة لدى الإنسان، فحينها تتساءل عن كل شيء.
تُنهي مرحلة المدرسة لكي تلتحق بالجامعة، ثم تفعل ما تفعله قبل ذلك، بدون أدنى تغيرات كلية في حياتك أو في الأشياء التي تُحبها، فالتغيرات إن وجدت فهي تغيرات جزئية، فمثلًا بدل اهتمامك بالمسلسلات والأفلام الكرتونية، أصبحت تهتم بمباريات كرة القدم، أو بدلًا من اهتمامك ببعض الألعاب البسيطة، أصبحت تهتم ببعض الألعاب الأكثر تعقيدًا… إلى آخره.
سنوات تجرّ سنوات حتى تنتهي المرحلة الجامعية، فتبحث عن وظيفة، لكنها تُحمّلك مسئوليات أكثر، فتُصبح مشغولًا أكثر، ثم ترغب في الزواج فتتزوج، ثم ترغب في الإنجاب فتُنجب، ثم تُربي أطفالك على ما تربيت عليه، فتتكرر قصة الوالد مع الابن، ثم مع الحفيد، إلى آخر سلسلة النسل… فمتى إذًا سنقف ونتساءل؟ متى؟
تخيلوا معي إن كانت هذه القصة هي قصة الملايين من الناس –وهذا واقع بالفعل- تخيلوا معي إن كان كل الناس أو الغالبية العظمى منهم يسيرون مع التيار، فيقذفهم التيار إلى اليسار تارة، وإلى اليمين تارة، بدون أدنى مستوى من التساؤل، ألا وهو: لماذا نسير مع التيار أصلًا؟
تخيلوا معي كم الأعوام والشهور والأسابيع والأيام التي فُقدت دون تساؤل، تخيلوا معي حجم العشوائية والعبثية وفقدان المعنى والقيمة عند الملايين من الناس والتي تنتج من عدم التساؤل، بالأخص عن علل الوجود -لأنها الأهم- ثم من عدم الإجابة عنها بشكل صحيح؟ “بينما نعيش حياة قائمة على الأهواء والشهوات والتمني، ونقول إن هي إلا حياتنا الدنيا، هي الوحيدة التي نعرفها، نحيا ونموت وببساطة نتحول لعظام، “سنعيش حياة واحدة فقط”، لكن انتبه، بعد موت العشب يأتي المطر وينمو من جديد” –جزء آخر من الفيديو-.
في الجزء الثاني من المقال، سنحاول الإجابة عن سؤال : كيف نجاوب على أسئلة (علل) الوجود؟ وهل يمكن أن تختلف الإجابات لدى البعض؟ بالإضافة إلى الإجابة عن المتبقي من الأسئلة التي أشار إليها.
اقرأ ايضاً:
المثاليون خبـراء التعطيل.. كيف توصل الفراعنة لبناء الهرم المتين ؟
لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه
الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟