حلا شيحة وخلع الحجاب.. كيف نصل للحقيقة؟
منذ حوالي أسبوعين انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي خبر خلع الممثلة المصرية المعتزلة حلا شيحة للحجاب وقرارها العودة للتمثيل، وأرفقت حلا شيحة مع الخبر صورا لها دون حجاب، ذلك بعد أن كانت قد اعتزلت التمثيل وارتدت الحجاب لسنوات.
أثَار قرار خلع حلا شيحة للحجاب جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بصفة خاصة بين متابعيها الذين كانوا ينتظرون منشوراتها بحرص ويستقبلونها بالتهليل والتفاعل الكبير.
من بين التعليقات التي انتشرت بين الذين تفاعلوا مع الحدث تعليقا تكرر كثيرا وإن لم يكون بنفس الألفاظ فحواه خوف الكثير من الفتيات من التأثر بقرار حلا شيحة وتقليدها في خلع الحجاب، والأهم من ذلك تأثير خلعها للحجاب على إيمانهم بالحجاب نفسه.
ذلك الخوف الذي يمكنك تلمسه بسهولة في حديثهم يثير تساؤلًا مهمًا عن مدى ارتباط الأفكار بالأشخاص الذين يعتنقونها؟
وهل الفكرة تصبح صحيحة إذا اعتنقها فلان فإذا تراجع عن اعتناقها والعمل بها صارت خاطئة؟
هل يمكننا الحكم على فكرة معينة بناء على سلوكيات مَن يؤمنون بها؟
أجمعت المراجع العلمية المعتبرة على أن طريقة إجراء عملية إزالة الزائدة الدودية لمريض ما هي باتباع خطوات معينة محددة بدقة خاصة بالمكان الذي يفتح فيه الجراح بطن المريض تحديدا للوصول لها وكيفية إزالتها وربط الأوعية الدموية حولها وهكذا، ثم جاء جراح مشهود له بالكفاءة لكن لظرف ما أَثَر على تركيزه أخفق في إجراء العملية للمريض.. هل يجعل ذلك خطوات العملية الجراحية التي حددتها المراجع العلمية -والتي تمت تجربتها والتأكد من صحتها- خاطئة ؟
القواعد الهندسية وضحت نسب مواد البناء التي يجب استعمالها لبناء عمارة، ثم تجاهلها مهندس ولم تكن العمارة التي بناها مطابقة للمواصفات القياسية وحدثت كارثة.. هل يجعل ذلك القواعد الهندسية خاطئة؟
1+1=2 وطالب مجتهد في اختبار مادة الرياضيات كتب الإجابة 3.. هل يجعل ذلك 1+1=3؟
الظلم قبيح ترفضه النفس السوية، والعدل حسن يطلبه كل صاحب عقل وضمير.. رجل دين يخطب في الناس ويحثهم على رفض الظلم وعلى ألا يظلموا غيرهم وينتهكوا حقوقهم، ثم يظلم عامل بسيط لديه ويبخسه حقه.. هل يجعل ذلك الظلم مقبولا؟
أمثلة بسيطة ونتعرض لها ولغيرها كثيرا في حياتنا نرى فيها بوضوح الانفصال بين الفكرة أو المبدأ أو القاعدة وبين الأشخاص الذين يؤمنون بها، القواعد الطبية ليست تطبيقات الأطباء لها، والقواعد الهندسية ليست ممارسات المهندسين، وقواعد الرياضيات ليست تطبيقات الطلبة لها، والقواعد العقلية ليست تطبيقاتنا لها.
الخطأ في تطبيق القاعدة لا يعني خطأ تلك القاعدة ، وانصراف البعض عن مبدأ معين أو رجوعهم عن الإيمان بفكرة معينة لا يعني خطأ تلك الفكرة بالضرورة.
علينا أن نتعلم الفصل بين الفكرة والمبدأ ومن يعتنقهم، ونحاكم الفكرة نفسها لا الأشخاص الذين يعلنون أنهم يؤمنون بها.
إذن الحكم على فكرة معينة بناء على سلوكيات من يؤمنون بها ليس هو الطريق الصحيح للحكم على الأفكار.
إذن كيف نتأكد من صحة مبدأ معين أو فكرة معينة؟
أولا، نحتاج لأن نفهم الفكرة أو المبدأ فهما صحيحا وذلك بأن نعرّفها تعريفا جامعا مانعا يصيب حقيقتها.
ثانيا، نحتاج للحكم على فكرة معينة بالصحة أو الخطأ إلى دليل صحيح.
نقصد بدليل صحيح أي برهان يؤدي لليقين بالحكم.
في المبادئ العامة الكلية والقضايا الكبرى مثل قضية وجود إله مثلا تحتاج لبرهان عقلي مبني على مبادئ عقلية بديهية.
للتأكد من صحة خبر تحتاج للتأكد من تواتره، أي كونه منقول عن كثيرين يستحيل اجتماعهم على الكذب.
للتأكد من صحة معلومة خاصة بقانون مادي مثل درجة تبخر الماء أو تمدد الحديد بالحرارة أو فاعلية دواء معين تحتاج لتجربة ذلك تجربة علمية وفق خطوات محددة.
للتأكد من صحة معلومة حسية تحتاج لأن تستعمل الحواس الخمس مثل كون لون شعار “مركز بالعقل نبدأ” برتقالي أو أحمر عليك هنا أن تستعمل عينيك لكي تحكم.
تلك هي الطرق الصحيحة للحكم على المبادئ والأفكار.
أما تتبع تطبيقات وممارسات معتنقي تلك الأفكار والمبادئ للأسف يكون مضلل، لكنها من أكثر الطرق انتشارا في الحكم خاصة بين البسطاء من الناس.
ذلك يضعنا أمام تساؤل جديد عن مسئولية الذين يتصدرون المشهد ليعلنوا أنفسهم قادة رأي ونخب.
ما هو دور النخب؟ وما مواصفات الشخص الذي يستحق أن يكون نخبة في مجتمعه؟
النخب هم الأشخاص المؤثرين في مجتمعاتهم، فأنت مثلا إذا كان رأيك يؤثر في أسرتك ودائرة أصدقائك وربما يقوم بعض إخوتك بتقليدك في رأيك وتصرفاتك، فأنت الآن نخبة في محيطك الذي يتأثر بك.
فالنخب المجتمعية إذن هم أصحاب التأثير على أفراد المجتمع، مثل نجوم الرياضة في مجتمعنا.
أي قدرة على التأثير إيجابيا كان أو سلبيا يجعل من صاحبه نخبة، فهو يمثل قدوة لأفراد مجتمعه، وبالتالي إذا تصدر المشهد؛ فعليه أن ينتبه لسلوكياته وتصرفاته؛ فهو أصبح الآن مرجع لغيره.
قد أوضحنا أن طريقة الحكم على الأفكار بِتتبع سلوكيات من يؤمنون بها ليست طريقة صحيحة، لكنها طريقة البسطاء وهم الكثرة في مجتمعاتنا على الأقل؛ وعليه أصبح على نخبنا مسئولية كبيرة!
الذي يتصدر المشهد ينقل لغيره علما وفكرا وبالتالي يجب أن يكون صاحب علم ومعرفة وفكر صحيح وحكمة ووعي، وكذلك ينقل لغيره سلوكيات وممارسات وتصرفات وبالتالي يجب عليه أن يكون متخلقا بالخلق القويم ومتسما بالضمير اليقظ، ولأن دوره مجتمعي أي خاص بالتعامل مع الجمهور وتوعيته وتوجيهه فيجب أن يمتلك أدوات التواصل مع الجمهور والمجتمع بمختلف طبقاته وخاصة بسطاء المجتمع؛ لأنهم بشكل أساسي يعتمدون عليه في تلقي المعرفة والتوجيه، تلك هي أهم الصفات التي يجب توفرها في النخب.
يظهر من ذلك أنه بشكل كبير نخب المجتمعات تحدد توجهه وتوجه أفراده؛ لذلك هم أهم فئة في المجتمع، وهم الذين يجب أن نسعى لإعدادهم بشكل صحيح إذا كنا نأمل في مستقبل أفضل، وإذا كنا نتمنى واقعا أفضل فعلينا أن ننتبه لمن نجعلهم يتصدرون مشهدنا.
خلاصة القول؛ أن ارتداء الحجاب لم يكن صحيحا لأن” حلا شيحة ” قامت بذلك، ولم يصبح خاطئا؛ لأنها قامت بخلعه، ويجب علينا؛ أن نحفظ عقولنا ونفوسنا فنحصنها بقواعد التفكير السليم حتى لا تكون عرضة لأن تزلزلها كثرة الآراء المتصدرة لمشهدنا.
اقرأ أيضاً:
تهذيب النفس – كيف تتهذب النفس البشرية؟ ( الجزء الأول ) – مقدمات هامة
مواقع التواصل وعلاقتها بالكآبة والضغط النفسي.. كفاية يا عم بخ!