ممكن شوية هدوء؟ الحياة والركض وراء السعادة
عندما ننظر إلى العالم وأحداث الحياة من حولنا نتعجب من الصراعات التى أصبحت هى السمت الرئيسى للحياة، صراعات بين الدول، صراعات بين أهل البلد الواحد، صراعات بين الإخوة، صراعات داخل الأسر، صراعات على الطعام والشراب، صراعات فى محلات الملابس، مواسم التخفيضات والتسابق للحاق بها، صراعات فى برامج التليفزيون، صراع من أجل الزواج، صراع للحصول على عمل، وكأن العالم أصبح حلبة للصراع وكأن الحياة مرهقة بكل تفاصيلها!!
ثم يكون التساؤل، هل هكذا هى الحياة وهل هذا ما ينبغى أن تكون عليه؟! هل نحن جياد فى حلقة للسباق، والأقوى هو من يقدر أن يفوز بالسباق؟!
هل يقتضى الأمر بالفعل من بعض الدول قتل شعوب أخرى لتسرق أرضها ومواردها! هل يتحتم علىّ حقًا أن أسعى جاهدًا خلف المال حتى لو لم يتبق لى حياة أعيشها مع عائلتى أو حياة أستزيد فيها من المعرفة أو الراحة لنفسى، هل يتحتم على أن أعمل أكثر من نصف يومى وأحيانا يومى كله لأضمن بقائى بعملى وأضمن العلاج والطعام والشراب لنفسى ولأسرتى؟! هل على المرأة أن تتخلى عن طبيعتها وتسعى للمنافسة فى كل الميادين وتتعرض لأصعب الضغوط لتثبت أنها ليست على الهامش؟! هل تحتاج المرأة لإثبات شئ من الأساس؟! هل بالفعل ينبغى علىّ أن أرتدى ملابس من علامات (ماركات) معينة تُحملنى ما لا أطيق؟ وهل هذه الملابس تستحق كل هذا المال؟ هل تؤذينى الملابس الأخرى؟! هل من العيب ألّا أذهب للمصايف الباهظة؟! وهل من العيب أن يأتى الصيف ولا أذهب للمصيف؟! هل يَضُرنى العيش فى شقة من ثلاث غرف أو غرفتين مثلًا؟! هل العيش يتطلب منى كل هذا الصراع والإرهاق والتعب والمذلة حتى أنِّى لن أجد وقتًا لأعيش!!
هل يتطلب السلام كل هذا العداء؟! وهل تتطلب التنمية كل هذا الخراب!!
وبما أننا فى مَعرِض الكلام عن الصراعات فلا يسعنا عدم ذكر الحضارة الغربية وفلسفاتها ونظرياتها، تلك التى ميزتها النزعة الصراعية.
“ميكافيللى” يرى فى السياسة أن المجد للأقوياء المصارعين لتحقيق السلطة القوية، وأن الأخلاق للضعفاء والعبيد. و”داروين” أراد أن يبرهن دومًا على أن الحياة هى ثمرة للصراع الدائم بين الأحياء والبقاء للأقوى الذى هو أجدر بالبقاء. و”ماركس” نقل الصراع إلى المجتمعات وجعل أن الأصل هو الصراع بين الطبقات وهو سر تقدم وتحرك التاريخ. و”فوكومايا” الذى رأى نهاية التاريخ ببزوغ فجر الحضارة الأقوى. والحركة الأنثوية الغربية التى تبنت فكرًا صراعيًا ضد عموم الرجال.
إننا أمام نزعة للغلو سارية فى معظم نظريات هذه الحضارة والتى دائمًا ما تبحث عن طرفين لتجعل بينهما الصراع كالعقل والنقل، الفرد والمجموع، الدين والدولة، الذات والآخر، المرأة والرجل، ولا نعرف من أين ابتدعوا الصراع بين هذه الأطراف التى هى فى الأصل تُكمل بعضها.
وكان طبيعيًا لكل هذا أن يثمر هذه الثمرات المرة والبائسة التى نراها فى المجتمعات التى تتبع هذه الفلسفة، فأصبحت تعيش فى قفص رهيب وعليها ألف قيد وقيد، تسعى لاهثة خلف أوهام فلا تكاد تفيق لتنظر خلفها وترى ما خلفته من خراب.
إن الحياة الإنسانية عبارة عن خيارات تحدد للإنسان مساره وحركته وأفعاله وردود أفعاله تجاه ما يواجه بدءًا من الأمور الصغيرة المتعلقة بحياته اليومية وصولًا إلى قضايا الشعوب ومستقبلها.
وإن أراد الإنسان لنفسه الرقى والعزة والحرية الحقيقة؛ فسيتحرك لمواجهة كل ما يفرض على واقعه الفردى والاجتماعى الذل والقلق والخوف، سيتحمل الجوع إن كان الطعام مغموسًا بمهانة نفسه أو بلده، سيرفض إذلال نفسه أمام غرائزها بما لا يعود معه يملك زمام عقله.
سيقول “لا” لكل ما يُفرض عليه من فلسفات استكبارية؛ تُحقر من شأنه وتُحوله لحيوان لاهث خلف ماديته لا يرى الظلم ولا يسمع أنين الضعفاء ولا يشم رائحة الدم، ولا يعرف حتى كيف يعيش الحياة .
ومن يقول “لا” يقولها فى كل المواقف، المتعلقة بذاته وبالمجتمع؛ فالصواب منطق واحد ومنهج واحد يتحرك فى كل الأبعاد، يحكم حياة الفرد فى المواقف البسيطة ويحكم مسار المجتمع فى القضايا المصيرية.
إن البشر يكدُّون ويسعون ويسيرون فى الحياة وقيد نواظرهم أشياء هى هدفهم وإليها المسير، يسعون خلف الحق والخير والسعادة، والسعادة والخير دومًا فى معرفة الحق والعمل به، أما هذا المنهج البائس فى العيش الذى يفرضوه علينا اليوم لا خير فيه ولا سعادة وبؤسه لا يخفى على عين وهو ملء كل عين.
اقرأ أيضاً :
المعاناة والألم … هل من سبيل للخلاص من المعاناة ؟ ولماذا نعاني من الأساس ؟
الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع
الحب في عصر ما بعد الحداثة