شبت وبقدونس وكسبرة – هل تعلم الفارق بينهم ؟ وكيف وقع صديقنا في فخ المغالطة ؟
هل تعلم ؟
هل تعلم ، إن لم تشرب بريل لن تكون رجلا؟
هل تعلم أن مُدرس المادة عليه إنجاح الطالبة الرقيقة التي رسبت؟
هل تعلم أنه في حالة منع مباريات الكرة سنمنع الشغب في الملاعب؟
هل تعلم أن الجوازة لن تكتمل إلا بوجود نيش ممتلئ؟!
هل تعلم ، إذا تناولت الكثير من الحلويات ستعيش عمرٍا إضافيًا؟
في عصرنا الحالي حياتنا لا تخلو من المغالطات، أفكار كثيرة نؤمن بها ولكنها أفكار مغلوطة، رغم ذلك هي أفكار وليدة التفكير والدراسة والبحث، إطار التفكير نملؤه بالمغالطات على طريقة وضع السم في العسل.
في وسائل الإعلام المختلفة، تلفزيون وجرائد وإنترنت، في المجتمع بعاداته وقناعاته، في العمل بنظامه ولوائحه، دائمًا نجد من يتبنى فكرة مغلوطة ويروج لها.
منطَقة المغالطة
“استرجل واشرب بريل” هذه نتيجة ناتجة من عملية تفكير، لدينا مقدمة أولى تقول “طعم البريل المُر يمنحك قوة تحمل” ومقدمة ثانية تقول “قوة التحمل من أساسيات الرجولة”، لنصل في النهاية إلى النتيجة المذكورة، عملية تفكير لا تخر منها المياة، قياس أرسطي كامل الأركان ولكنه يفتقد لشيء تسبب في هذه الأزمة!
يجب على المُدرس ألا يكسر بخاطر طلّابه (مقدمة أولى)، إذا أعطى المُدرس لطالبته الرقيقة درجة الرسوب سيكسر بخاطرها ويجعلها حزينة (مقدمة ثانية) فتكون النتيجة كما أوردناها في المعلومة الثانية.
منع مباريات الكرة كفيل بعدم دخول الجمهور للملعب (مقدمة أولى)، عدم دخول الجمهور يؤدي لمنع الشغب (مقدمة ثانية)، فتكون النتيجة هي منع المباريات.
يجب أن يحافظ الإنسان على مظهره الاجتماعي (مقدمة أولى)، ملء العرسان للنيش بالأثاث الفخم يؤدي لتحسين المظهر الاجتماعي أمام الناس (مقدمة ثانية)، فتكون النتيجة كما أوردناها في المعلومة الرابعة.
الحلويات تؤدي إلى الفرحة (مقدمة أولى)، والفرحة تُطيل العمر (مقدمة ثانية) فتكون النتيجة هي المعلومة الخامسة.
ما هو سر المغالطة؟
إن الأمر الداخل في معظم أنواع المغالطة هو ذكر جزء صحيح من المعلومات دون أن تكون المعلومات الصحيحة المذكورة كاملة، فتؤدي تلك المعلومات الجزئية المذكورة إلى نتيجة خاطئة عكس النتيجة الصحيحة التي يجب أن نصل إليها في حالة ذكر المعلومات كاملة.
فَضح المغالطة
وبعد أن علمنا سر المغالطة هل نستطيع تحليل المعلومات الغريبة السابق ذكرها تحليلًا منطقيًا؟
“استرجل واشرب بريل” هل قوة التحمل تنحصر فقط في تحمل الطعم المُرّ أم هي أوسع من ذلك وتشمل تحملات كثيرة على رأسها تحمل مشاكل الحياة، وهل الرجولة تنحصر فقط في قوة التحمل أم هي أعمق من ذلك ولها متطلبات أخرى كالشهامة ومساعدة الآخر وأداء المسئوليات وغيرها، هذه هي الصورة الكاملة التي ستُغير النتيجة.
وبالنسبة للطالبة الراسبة، صحيح أن العقاب مؤلم ولكنه مطلوب لتهذيب الفاشل ولترسيخ العدل ولإعطاء كل ذي حق حقه، هذه هي الصورة الكاملة.
وبالنسبة لمنع المباريات منعًا للشغب، فنحن نمنع رياضة يمارسها لاعبون وتمثل مصدر رزق للمشتغلين في مستلزماتها وتنظيمها، كما أنها تمثل مصدر ترفيه للجمهور ومورد اقتصادي للدولة، فمن باب أولى حل الأسباب الجذرية للشغب بدلًا من منع النشاط، الأمر يشبه سحب السيارات من الناس منعًا للحوادث!
والصورة الكاملة للنيش أنه مُكلف ويستنزف الكثير من المال ونادرًا ما يتم استخدام كل ما فيه وبالتالي فوجوده يستقبحه العقل، فإذا وضعنا ذلك في الاعتبار سيكون حكمنا بضرورة وجود النيش مختلفًا!
وأما الحلويات فلا مانع من كونها تُفرحني وتُميتني بالسكري في نفس الوقت! ليس شرطًا أن الفرحة تُطيل العمر فمن الممكن أن أكون فرحانًا وأتعرض لحادث مرور يؤدي لوفاتي أو يسرقني لص فأقاومه فيقتلني! التاريخ ذكر شخصيات ماتت من الإفراط من الضحك!
فالاعتماد على جزء حقيقي من التفاصيل دون التفاصيل كاملة يؤدي إلى الوصول لنتيجة خاطئة شبه الحقيقة ولكنها ليست الحقيقة، وهذا ما يُعرف بالمغالطة.
أمثلة فكرية عن المغالطة
ما رأيك إن قلت لك إن العين لا تشم الياسمين وبالتالي فالياسمين بلا رائحة، والأنف لا يتذوق حلاوة المانجو وبالتالي فالمانجو بلا طعم؟ هذه هي المغالطة التي قام بها الحسيون عندما أنكروا الإله وما وراء الطبيعة، فالمعرفة عندهم يجب أن تكون خاضعة للحواس، والحواس لا تُدرك إلا الماديات ولا تستطيع النظر في الأشياء التي ليست ذا طبيعة مادية؛ فتلك الأشياء متجاوزة للحواس وبالتالي فالحواس تنكرها.
يجب إخضاع الشيء لوحدة القياس التي تستطيع قياسه، فالروائح قياسها الأنف وليس الفم، والمجردات كالمفاهيم أيضًا قياسها العقل وليست الحواس، العقل الذي يُحتم وجود سبب أول مطلق الكمال.
النازيون والصهاينة صُنّاع مغالطة، يمتلكون توجهًا عنصريًا إقصائيًا يقضي بكونهم أفضل البشر سواء بالطرح النازي المتمثل في العرق الآري أو بالطرح الصهيوني المتمثل في شعب الله المختار، ويبررون بذلك الجرائم الشنيعة التي ارتكبوها في حق البشرية، ويعتمدون على البويولوجيا ونظرية التطور وطرح البقاء للأقوى لتبرير ذلك وللإدعاء بأن هذه هي سُنة الحياة.
ولكن الصورة الكاملة تقول بأن الأفضلية تكون للشخص الأقرب لإنسانيته المُضحي من أجل البشرية المحافظ على كماله الروحي المعنوي الذي يتمتع بالرحمة والحكمة والإيثار والعدالة، وإن كان اليهود تمتعوا بتلك الصفات في زمن مضى فهم ابتعدوا عنها بعد ذلك فسقطت عنهم الأفضلية، كما أن الأفضلية تقتضي الأخذ بيد الضعيف وليس سحقه.
وأما بالنسبة لنظرية التطور فهي تحكم أجسادنا -إن صحّت- ولا تحكم أرواحنا وعقولنا، فما يحكم أرواحنا وعقولنا هو الحب والخير والحكمة والمنطق والتفكير السليم وليست نظريات تجريبية محصورة نتائجها على العلوم المادية.
إن الأمثلة كثيرة لا يتسع المقال لذكرها…
شبت وبقدونس وكسبرة
في إحدى الأيام الخوالي الصيفية البعيدة طلبت منّي أمي شراء حزم من الشبت والبقدونس والكسبرة تمهيدًا لطهي المحشي.
امرأة عجوز ترهقها الحركة تجلس على الرصيف المُظَلّل لإحدى الحواري وفي الجهة المقابلة المشمسة تقبع فرشة خضرواتها التي تـتاجر فيها، طلبتُ منها ما طلبته أمي مني فأخذَت العجوز النقود وقالت لي بازدراء لا أعلم سببه “اذهب وخذهم”.
على فرشتها أصناف عديدة من الحزم الخضراء لا أعلم أيّا منها ينتمي للشبت والبقدونس والكسبرة، فأخذت بشكل عشوائي ثلاث حزم وعدت إلى أمّي!
نهرتني أمي لأنّي اشتريت حزمتين من الشبت وحزمة من الجرجير!
لا ذنب لي، طفل لا يفقه شيئًا، وامرأة عجوز حادة الأسلوب، وأمي أعطتني الحد الأدنى من المعلومات المتشابهة عن خضرتها فاختلط علي الأمر، كل الأنواع تنتمي للون الأخضر وكلهم على شكل حزمة -رابطة- فوقعت في فخ المغالطة!
لو كنت أعلم أن الشبت يشبه الأوعية الدموية التي أدرسها في العلوم وورقته رفيعة، لو كنت أعلم أن البقدونس والكسبرة ورقتهما تشبه الوردة ولكن الكسبرة ذو رائحة نفاذة والبقدونس ذو خضار فاتح، لو كنت أعلم معلوماتهم كاملة لما كنت وقعت في تلك المغالطة؛ فمعرفة أنهم حزم خضراء فقط لم يكن يكفي، فكل الخضروات هي حزم خضراء!
وختامًا
لكي نتقي شر المغالطة يجب وحتمًا ولا بد أن تكون معلوماتنا عن الأشياء كاملة وصحيحة مهما كانت تلك المعلومات غريبة أو غير مرغوب فيها.
اقرأ ايضاً:
بعد فضيحة الفيسبوك… ما هو مصير المعلومات المسروقة؟